لا يكون الأجر على الصبر إلا عند الصدمة الأولى، وأما النياحة ولطم الخدود وشق الجيوب والملابس والألفاظ الجاهلية التي انتشرت في زماننا فكلها من الأفعال المنهي عنها شرعاً، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة فوجده في غاشية، فبكى وبكى معه أصحابه، فقال: (ألا تسمعون! إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا، وأشار إلى لسانه).
متفق عليه.
والنياحة: ذكر محاسن الميت على سبيل التسخط، وهذا لا يجوز أبداً، ولاسيما النساء، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في توعد المرأة النائحة إن لم تتب إلى الله عز وجل أنها تسربل سربالاً من نار يوم القيامة.
ولا يجوز الندب، والندب: تعداد محاسن الميت، والنياحة رفع الصوت بذلك، كأن يقال مثلاً: يا من كنت تأتي لنا بالطعام! يا من كنت تؤنس البيت! فهذه نياحة، ولا يجوز ذلك أبداً، وبعض النساء يتبعن الجنائز في القرى، ويرفعن أصواتهن، فعليهن التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العودة، مع التصدق والصيام، وأنت إن وجدت هذا الفعل فانصح، وإن وجدت إصراراً فعد، وقد كان ابن عمر إذا رآهن في الخلف خالفهن وعاد، وليس معنى ذلك أن نهجر الجنائز، ولكن لا بد أن نعلم السنة، فهذه الأمور مهمة جداً.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت يعذب ببكاء أهله)، حديث صحيح، وقد اختلفت عائشة مع بعض الصحابة في معنى (إن الميت يعذب ببكاء أهله)، وهذا الكلام له معانٍ متعددة عند العلماء، فقال بعضهم: يعذب ببكاء أهله إن أقرهم على هذا الصنيع ولم يوص بعدم النياحة والندب، فإن فعلوا بهذه الأفعال عذب بها؛ لأنه لم يوص بتركها، فإن أوصى فهو بريء من فعلهم.
وابن تيمية يقول: إن معنى إن الميت يعذب ببكاء أهله: أنه كالنائم الذي يعذب بصوت الحي، ومعنى العذاب: التأذي، وليس عذاباً فعلياً، بل إذا كان رجل نائماً وآخر يرفع صوته فوق رأسه فإنه يتأذى بذلك.
قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز الندب ولا النياحة، لأن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)] وليس معنى قوله: (ليس منا) أنه كافر، ليس منا، بل ليس على طريقتنا وهدينا وسنتنا، وليس المقصود أنه كافر كما يعتقد البعض، والبعض يفهم النصوص على فهمه الخاص، وإساءة الفهم تجلب لنا مصائب.
فإذا صاحت امرأة وندبت فلا نقل لها: أنت كافرة ولست منا، فهذا ليس صحيحاً تماماً، وإنما نقول لها: أنت لست على السنة والطريقة والهدي، وأنت مخالفة وقد ارتكبت كبيرة.
وقال المصنف رحمه الله: [وقال أحمد في قوله سبحانه: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:12]، هو النوح، فسماه معصية].