قال المصنف رحمه الله: [وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه].
فإن أوصى أن فلاناً يغسلني، وفلاناً يصلي علي فلا يجوز ترك وصيته، ويقدم الوصي بلا خلاف، وإن لم يوص قدم في غسله أقرباؤه: الأب والجد والأخ؛ لأنهم أستر الناس عليه إن كان صالحاً.
ويشترط أن يكون المغسل فقيهاً بالغسل.
وإن لم يوص الميت بمن يصلي عليه صلى عليه إمام المسجد، ولا يقدم الأب أو الجد أو الأخ على إمام المسجد؛ لما ثبت أن إمام المدينة صلى على أم كلثوم بنت علي، وكان خلفه ثمانية من الصحابة فلم ينكر عليه أحد منهم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الجنائز وخلفه الأب والأخ والعم والعصبات، ونحن اليوم نسأل عمن هو أقرب للميت ونقدمه يصلي عليه، وهو لا يعرف كيف يعمل، ولا يفهم شيئاً، فما دام الإمام الراتب موجوداً فيلغى كل الناس، والرجل لا يؤم الأمير في سلطانه، وإذا لم يكن الإمام الراتب موجوداً فإنه يستخلف، واليوم أصبحت هذه المسألة فوضى، فالمساجد ليس لها إمام راتب ولا من يستخلفه، بل كل واحد يقول لمن يريد: تقدم يا فلان! حتى أنهم ضربوا بعضهم بعضاً على الإمامة، وأصبحت المساجد الآن ليس لها نظام ولا ضبط ولا ربط، وإنما الذي يريد أن يصلي يصلي، حتى أنه في مرة من المرات صلى إمام بالناس وهو يلبس بنطلون جينز، وهو محشور فيه حشراً ولا يجيد قراءة الفاتحة، وقرأ تبت إيد أبو لهب وتب! وثلاثة أرباع أئمة المساجد يوقعون الثلاثين يوماً مقدماً، ودفاتر الحضور والانصراف تحت آباطهم، ويقول لك: أنا أريد وظيفة فقط، وبعد ذلك أبحث عن رزق ومشروع آخر، ويجلس إماماً على الورق، ولا يدخل المسجد إلا مرة في السنة، والله الذي لا إله غيره حتى الإمام إن عين لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة، فكيف عين إماماً؟ وكيف يؤم بالناس؟ وفي مرة عين مؤذن أعرفه فقال لي: لو سمحت اكتب لي الأذان في ورقة؛ لأني لا أعرف أؤذن، فكتبته له، فأمسك الورقة وأذن من الورقة.
والمساجد كثيرة، وربع المساجد الموجودة هي التي فيها أئمة، و 75% بلا أئمة، بل متروكة لمن هب ودب هكذا بدون ضابط ولا رابط.
قال المصنف رحمه الله: [لأن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت لذلك، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل، ولأنه حق للميت، فقدّم الوصي على غيره كتفريق ثلثه؛ ولأن الصحابة أجمعوا على أن الوصي في الصلاة مقدّم على غير الوصي.
فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر، وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابنه حاضر].
فقد أوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابن عمر حاضر، فلم يقدم الابن على الوصي.
قال المصنف رحمه الله: [وأوصى ابن مسعود أن يصلي عليه الزبير، وأوصى أبو بكرة أن يصلي عليه أبو برزة، وأوصت عائشة رضي الله عنها أن يصلي عليها أبو هريرة، ولم يعرف لهم مخالف مع كثرته وشهرته فكان إجماعاً؛ ولأن الغرض من الصلاة الدعاء والشفاعة إلى الله، فالظاهر أن الميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحاً في نفسه وأقرب إلى الله وسيلة ليشفع له].
فالصلاة دعاء وشفاعة فيختار الأصلح والأقرب والأرجى إجابة عند الله.
قال المصنف رحمه الله: [ثم الأب؛ لمكان شفقته، ثم جده كذلك، ثم ابنه وإن نزل كذلك، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم الرجل من ذوي أرحامه ثم الأجانب.
وأولى الناس بغسل المرأة الأقرب فالأقرب من نسائها، أمها ثم جدتها ثم ابنتها، ثم الأقرب فالأقرب، ثم الأجنبيات كالرجل.
إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده -والأمير يعني: الإمام الراتب- لقوله عليه السلام: (لا يؤمن الرجل في سلطانه)، رواه مسلم.
وروى أحمد بإسناده: أن عماراً مولى بني هاشم قال: شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي فصلى عليها سعيد بن العاص وكان سعيد بن العاص أمير المدينة وخلفه يومئذ ثمانية من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة، ولأنها صلاة شرع لها الاجتماع فأشبهت سائر الصلاة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنائز مع حضور أقاربها والخلفاء، ولم ينقل أنهم استأذنوا ولي الميت في التقدم].
فالإمام الراتب يقدم، ولكن إن كان الإمام الراتب صاحب معصية أو كبيرة ويصر عليها فيقدم الولي؛ لأن الصلاة على الجنازة فيها شفاعة ودعاء فيتقدم الأصلح للميت، فلا يقدم الإمام الراتب إلا للظن أنه على علم وتقوى، ولا يحتل هذا المكان في الشرع إذا كان جاهلاً أو صاحب كبيرة.
فيقدم في غسل الميت والصلاة عليه الوصي، فإن لم يوص قدم الأب،