قال الشارح: [ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب؛ لما روى سلمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)].
وقوله: (ولا يفرق بين اثنين)، هناك ظاهرة تخطي الرقاب، وهذه الظاهرة الخطيرة نتجاوز نحن فيها بسبب أننا لا نرتب الجلوس على الأسبقية، فالمفروض أن من جاء أولاً يجلس أولاً ولا يفرط؛ لأن هذا المجلس من حقه، والتبكير إلى الصف الأول له ثواب، فلا يجوز له أن يأتي مبكراً ويجلس متأخراً كي يسند ظهره على الحائط، أما ما يحدث من تخطي الرقاب فهناك نهي عنه، ولذلك قال: (ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له)، إذاً: المشروع قبل الجمعة الصلاة، وليس المشروع قبل الجمعة أن نأتي بمقرئ يقرأ سورة جهرية، فإن ذلك لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل لـ ابن مسعود: اجلس يا ابن مسعود! نسمع منك سورة الكهف يوم الجمعة.
فهذا ما ثبت عنه، إنما الثابت أنه كان يصلي ما شاء الله له أن يصلي، فهذا يصلي وهذا يسبح وهذا يقرأ، وهذه السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: [وغسل الجمعة على كل محتلم وسواك وأن يمس طيباً].
غسل الجمعة فيه خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه واجب، وذهب إلى ذلك ابن حزم الظاهري، ودافع عنه في المحلى، وأتى بأدلة تدل على الوجوب، ومنهم من قال: إنه سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والراجح: أنه سنة وليس واجباً؛ لما ثبت أن عثمان رضي الله عنه جاء إلى الجمعة دون أن يغتسل، والحديث في البخاري، فسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن سبب تأخيره، فأخبره أنه تأخر لحاجة ولم يغتسل، فعاتبه عمر رضي الله عنه لأنه لم يغتسل، فلو كان هذا الأمر واجباً لأمره عمر أن يغتسل؛ لأن تحصيل الواجب ضروري.
ثانياً: لا يمكن أن نتصور أن عثمان رضي الله عنه يجهل واجباً عند عامة المسلمين، فالأدلة كثيرة على عدم الوجوب، فهو من آكد السنن، وقد يصبح غسل الجمعة واجباً في حق من له رائحة نفاذة، حتى لا يؤذي إخوانه في صلاة الجمعة، فالتطيب والغسل ولبس أجمل الثياب والتسوك والتبكير من سنن الجمعة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: [والمذهب الأول] يعني: المختار في مذهب الحنابلة أن غسل الجمعة ليس بواجب.
[لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، وإن اغتسل فالغسل أفضل)، والمراد بالخبر الأول: تأكيد الاستحباب، وكذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين].
إذاً: غسل يوم الجمعة من آكد السنن، فتغسل يوم الجمعة وتتطيب وتلبس أجمل الثياب، ويمكن أن تجعل للجمعة ثياباً مخصوصة، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم للجمعة والعيدين حلة خاصة، يلبسها في ذلك اليوم، ويتسوك ويبكر.
قال: [ويبكر إليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غسل واغتسل)].
اختلف العلماء في معنى (غسل واغتسل)، فمنهم من قال: يعني: تسبب في غسل زوجته، وعندنا في بعض الأرياف مازال غسل الجمعة في حقهم واجباً، وهذا له أصل في الشرع؛ فإن الرجل حينما يجامع أهله في ليلة الجمعة يخرج وقد قضى وطره.
قال: [(من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع، ولم يلغ -يعني: يتحدث بلغو- كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) رواه ابن ماجه].
وتخريج الحديث صحيح.
وجاء في البخاري: (من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن جاء في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن جاء في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، ومن جاء والإمام يخطب فكأنه لم يقرب شيئاً)، لكننا نحن حتى البيضة زهدناها، كان أبو هريرة يبكي عند سماع حديث: (من صلى على جنازة ثم تبعها كتب له من الأجر قيراطان، كل قيراط كجبل أحد)، ويقول: كم ضيعنا والله من قراريط، ويروى أن ابن مسعود بكر للجمعة؛ لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الناس في الجنة يصفون على قدر تبكيرهم)، يعني: يوم القيامة تقف على حسب التبكير، فـ ابن مسعود صلى الفجر وذهب واغتسل ولبس أجمل الثياب، وتطيب وجاء مبكراً ليكون أول الداخلين، فوجد اثنين وفي رواية: ثلاثة، فأخذ يبكي ويقول: ثالث ثلاثة.
يا عبد الله! وما ثالث ثلاثة من الله ببعيد، فالتبكير ليوم الجمعة فيه أجر عظيم ونحن نفرط فيه كثيراً، وهو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف