قال في الشرح: [ومن شرط صحتها أن يفعلها في قرية، يستوطنها أربعون رجلاً من أهل وجوبها سكنى إقامة لا يظعنون -يعني: لا يسافرون- فإذا اجتمعت هذه الشروط في قرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها؛ لأن كعباً قال: أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخصمات.
قلت: كم كنتم يومئذٍ؟ قال: أربعون].
فالمذهب يشترط لعدد الجمعة أربعين، وهذا موضوع خلافي، والراجح: أن الجمعة تنعقد بما تنعقد به الجماعة، والنقطة التي أريد أن أركز عليها هي أنه إذا كان لا يجوز أن يفتح مسجداً في قطر إلا للضرورة فمعنى هذا: أن تبحث عن المسجد الجامع وتصلي فيه، وإياك أن تصلي في زاوية، فأداء الفروض الخمس في الزوايا من باب الترخيص، أما الجمعة فإنها لم تسم جمعة إلا لأنها تجمع المسلمين في مكان واحد، لكن الذي نراه الآن أكثر من (1500) أو (3000) جمعة في بقعة واحدة، وهذا تمزيق لكلمة الأمة، وأمر لم يقل به أحد من العلماء.
قال: [وأن يحضرها من المستوطنين أربعون من أهل وجوبها؛ لأن جابراً قال: مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة].
قال: [وأن تتقدمها خطبتان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يخطب خطبتين يقعد بينهما) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وقالت عائشة: (إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة) وفي كل خطبة حمد الله تعالى -إن الحمد لله- لأن جابراً قال: (كان الرسول عليه الصلاة والسلام يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما أهله، ثم يقول: من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فروض الخطبة أربعة: الأول: حمد الله وقد سبق، والثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم كالأذان.
الثالث: قراءة آية -يعني: يقرأ آية في الخطبة- فصاعداً؛ لأن جابر بن سمرة قال: (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً وخطبته قصداً؛ يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس) رواه أبو داود؛ ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة.
الرابع في الخطبة: الموعظة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ، وهي القصد من الخطبة في حديث جابر بن سمرة: (يقرأ آيات ويذكر الناس)].
فمن فقه الإمام تقصير الخطبة وإطالة الصلاة، وكثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً، فالمستمع جاء ليأخذ معلومة ويمضي، فلا تعطه قصصاً وأساطير لساعة ونصف، فإن الكلام الكثير لا داع له، فنحن في المساجد نعلم الناس أمور الدين، ومن أتى الجمعة لم يأت إلا ليتعلم ما هو المطلوب منه وما هو الواجب عليه أن يفعله في العقيدة أو العبادة أو الشريعة، وتهييج الناس في أمور سياسية ليس من الدين، والخطبة ليست نشرة أخبار، فيا عبد الله لابد أن تراعي المقام؛ لذلك نحن السبب فيما يحدث الآن وذلك بتجاوزنا كثيراً، وقد يقول قائل: إن الشيخ هز الملعب أو الشارع من أجل أن يفرض على الناس مقالته.
لا يا أخي! هدئ نفسك، إن الجمعة شرعت لتعلم الناس ما هو المطلوب في العقيدة والشريعة، لا لتشحنه ليخرج فيكسر، وإلا فأنت لم تأتِ لجمعة، وإنما جئت مزايدة بأحداث، ونحن لا نريد أن نزايد على ديننا، نحن جئنا الجمعة لنتعلم الشرع، وقد يقول قائل: أليس من الشرع الولاء والبراء؟ نقول: نعم.
وعلمه العقيدة بكامل معناها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينتقد يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)، ولم يذكر أحداً باسمه على المنبر، فإذا كانت البلوى عمت، والكلام فيه مخالفة شرعية ككتاب حديث الشفاعة، أو كإنكار عذاب القبر إلى غيره -فهذه مسألة اعتقادية يجوز أن نتنبه لها، لكن تصعد المنبر وتقول نشرة أخبار: سقط من البوسنة خمسون، ومن الهرسك أربعون فهذا غير صحيح، فالمجتمع يريدك أن تقول له: رب أبناءك على حب الإسلام، وعلى التخلص من العدو، وعلى الاستقامة، وعلى مجاهدة النفس، وعلى التحرر الفكري.
أيها الإخوة! إن الاحتلال أنواع: احتلال أرض واحتلال فكر، فنحن الآن محتلون فكرياً وشبابنا ضائع؛ ولذلك أقول: ينبغي أن يكون المقال على قدر المقام، فلا مزايدة للتلاعب بالجماهير، فالقرآن والسنة واضحان وبينان، وإنني بكلامي هذا لا أقصد أحداً بعينه، بل الكلام عام، ولسنا أعداء أحد، فإن كل من يعمل في حقل الدعوة فهو فوق الرءوس محمول حتى وإن جانب الصواب، ولسنا من أرباب الشتائم ولا البذاءات.