قال: (وواجباتها سبعة)، ولعل الحنابلة اختلفوا مع الفقهاء في هذه المسألة.
الإمام أحمد أحاط بالسنة ما لم يحط بها غيره، ولذلك من ثراء هذا المذهب أن فيه أكثر من رواية، ودائماً تجد إحدى الروايات توافق المذاهب الأخرى، فهو لا يقتصر على رواية واحدة.
قال: (وواجباتها سبعة) أي: واجبات الصلاة التي إن نسيت تجبر بسجود السهو، لكن إن تعمد ترك الواجب هل تبطل الصلاة أم تصح مع سجود السهو؟ رجل تعمد ألا يقول: سمع الله لمن حمده، فما حكم صلاته؟ عند أحمد روايتان: رواية أنها تبطل، ورواية أنها سنة لا تبطل وتجبر بسجود السهو.
قال الإمام أحمد: إن النبي عليه الصلاة والسلام نسي التشهد الأوسط -كما في البخاري - واعتدل للركعة الثالثة، فقام من خلفه، ولم يرجع إلى التشهد الأوسط مرة ثانية، ثم سجد للسهو قبل التسليمتين.
قال أحمد: وهذا يدل على أن التشهد الأوسط واجب، والواجبات تجبر بسجود السهو إن نسيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد نسي، لكن ما قولك فيمن تعمد أن يترك التشهد الأوسط؟ النبي صلى الله عليه وسلم نسي فسجد للسهو قبل التسليمتين، أما هذا فقد تعمد أن يقوم للثالثة، إذاً: ترك واجباً مع التعمد، فما حكم صلاته؟ عند أحمد الرواية الأولى أنها تبطل، والرواية الثانية أنها لا تبطل، ولعل هذا هو رأي الجمهور؛ هل تعلم أن قولك: (رب اغفر لي) بين السجدتين واجب، وعلى رواية أحمد أن من تركها أن الصلاة باطلة.
فمثلاً: رجل تعمد ألا يقول: ربنا ولك الحمد، وهي من واجبات الصلاة، فإن تعمد أن يترك واجباً بطلت الصلاة في رواية، وفي رواية أنها لا تبطل، ولعل هذا هو رأي جمهور العلماء.
وواجباتها سبعة: (التكبير غير تكبيرة الإحرام)، وهي تكبيرات الانتقال، ولابد من متابعة الإمام في تكبيرات الانتقال؛ لأنها واجبة، والكثير لا يقولها وراء الإمام؛ لأنه يسهى أو ينسى أو يتعمد ترك تكبيرات الانتقال مع أنها مهمة، وهي خمس تكبيرات في كل ركعة: تكبيرة الركوع، ثم تكبيرة السجود، ثم الاعتدال من السجود، ثم السجود، ثم القيام، فهذه التكبيرات يسميها العلماء تكبيرات الانتقال من ركن إلى ركن.
وحينما قلنا: إن من يسجد للتلاوة فإنه يكبر عند السجود ويكبر عند القيام، قامت الدنيا عند بعض إخواننا في إمبابه؛ لأن بعض العلماء يقولون: لا تكبير عند الرفع، واستدلوا بحديث عائشة.
يا عبد الله! الانتقال من ركن إلى ركن لابد له من تكبير، والرأي المعتبر أن تكبر عند السجود وعند الرفع، ونحن لا نصادر آراء علمائنا، ولكن أقول: هذا هو الراجح، والله تعالى أعلم.
(وواجباتها سبعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة)، يعني: إن ركع، وقال: سبحان ربي العظيم مرة واحدة.
هذا هو الواجب والزيادة سنة.
ما تقول في رجل كبر وركع ثم تعمد الصمت، ترك واجباً أم ركناً ما حكم صلاته؟ في رواية عن أحمد تبطل؛ لأنه ترك واجباً متعمداً، والرواية الأخرى أنها لا تبطل.
(التكبيرات بخلاف تكبيرة الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع)، يعني: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، هذه أيضاً من واجبات الصلاة.
(وقول: رب اغفر لي بين السجدتين)، واجب.
(والتشهد الأول) الأوسط واجب، (والجلوس للتشهد الأوسط، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير).
قال أحمد: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير من واجبات الصلاة، يعني قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله في التشهد الأخير ثم سلم، فإذا تعمد أن يترك واجباً، فإن الصلاة تبطل في رواية وهو الراجح، وقد رأيت البعض في رمضان في بعض المساجد يقول للمصلين في التراويح: يكفيكم أن تقرءوا إلى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم نسلم من أجل أن نصلي أكبر عدد من الركعات! يأمرهم بترك الواجب عمداً، ويأمرهم بترك الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، أرأيتم الجفاء والجهل المدقع.
الأمة الآن مبتلاة، فهذا أستاذ دكتور في كلية الآداب قسم الفلسفة الإسلامية، في الأسبوع الماضي يخطب الجمعة ساعة إلا ربع، ويقول: إن الرسول أول خلق الله رغم أنف الحاقدين، ولما أذنب آدم في الجنة توسل بجاه النبي عند الله أن يغفر له، ولتفاهة رأيك لن نرد عليك، أنا أقول لك هذا الكلام، هذه تفاهة رأي، وأنت لا تعرف الفرق بين الوجود العيني والوجود العلمي! الوجود العلمي ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: علمي: وهو أن أخبركم عن وجود كوب، الثاني: علمي لفظي: تلفظت به.
الثالث: علمي رسمي: قمت وكتبت على السبورة (كوب) بالقلم، إذاً: الوجود الكتابي وجود علمي.
ولو قلت لكم: هذا كوب.
فأنت تتخيل الكوب في ذهنك، هذا وجود ذهني، فالذهني والرسمي واللفظي كلها وجود علمي، ثم لو جئتك بالكوب وقلت: هذا هو الكوب، فهذا وجود عي