بعد قراءة الفاتحة والتأمين يشرع الإمام في قراءة ما تيسر من القرآن، والقراءة فيها تفصيل، قال المصنف هنا: (يقرأ من المفصل في الفجر والمغرب والعشاء) ما هو المفصل؟ قسم علماء علوم القرآن القرآن إلى أقسام: الأول: السبع الطوال، وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة أو يونس على خلاف في السابعة.
هذه السور اسمها السبع الطوال، وورد أن النبي صلى بغير المفصل.
الثاني: المئين: وهي بعد السبع الطوال، وهي السور التي عدد آياتها يزيد عن المائة قليلاً.
الثالث: المثاني: وهي السور التي يقل عدد آياتها عن المائة، وسميت بالمثاني لسرعة الفصل بين بعضها البعض وبين آياتها.
الرابع: المفصل: ويبدأ من سورة (ق) أو الحجرات -على خلاف في ذلك- إلى آخر المصحف، والمفصل قسموه إلى ثلاثة أقسام: طوال المفصل -بكسر الطاء- وأوسط المفصل، وقصار المفصل، وبالنسبة لطوال المفصل فمن (ق) إلى النبأ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] فهذا يسمى الطوال، وبالنسبة لأوسط المفصل يبدأ من النبأ إلى الضحى أو البروج -على خلاف- ومن البروج إلى آخر القرآن يسمى القصار، ولا يقال: صغار القرآن، فليس فيه صغار، وإنما قصار المفصل، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ في الفجر بطوال المفصل.
أقول: بعد قراءة الفاتحة يقرأ الإمام ما تيسر من القرآن، وإن قرأ الفاتحة فقط ركع فصلاته صحيحة؛ لأن الفاتحة هي الركن، وما زاد عن الفاتحة من مستحبات الصلاة، يعني: إن أخطأ في قراءة (ق) فصلاته صحيحة، حتى لو لحن لحناً جلياً.
ولنفترض أنه لا يحفظ الفاتحة فعليه أن يقرأ ما تيسر من القرآن بقدر الفاتحة، وهب أنه لا يحفظ شيئاً من القرآن، فإنه يسبح سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
هل يلزم المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية؟ خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: لابد من القراءة، وشيخ الإسلام ابن تيمية قال: قراءة الإمام قراءة للمأموم، إلا أن الشيخ ابن عثيمين يرى أن حديث ابن حبان حجة، وهو أن الصحابة كانوا ينازعون النبي في الفاتحة، فقال لهم: (لعلكم تنازعوني، قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم الكتاب).
يعني: إذا قال الإمام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] فقل أنت: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] فقل: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] وهذه منازعة، أو يسكت الإمام بعد الفاتحة سكتة خفيفة يمكن أن تقرأ فيها الفاتحة، وهذه السكتة فيها خلاف، لكن الراجح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت سكتة خفيفة لا تتسع لقراءة الفاتحة، بل إن بعض العلماء رأى أن يقرأ المأموم الفاتحة في حال السكتات في القرآن، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2 - 3] فحينما ينتقل إلى آية أنا أقرأ آية من الفاتحة، فبعضهم رأى هذا، والأحوط أن تقرأ (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
إذاً: يستحب في الفجر أن يقرأ بطوال المفصل؛ لأن الفجر ركعتان، وقرآن الفجر مشهود، فيستحب أن يطيل الإمام في القراءة، أما في المغرب فقد كان يقرأ من قصار المفصل، وفي العشاء من أوسط المفصل، المهم أن يقرأ ما تيسر من القرآن.
ومسألة القراءة تحتاج إلى بسط أوسع، فقد كان يقرأ في الفجر أحياناً من السبع الطوال، وقرأ مرة الزلزلة في الركعة الأولى، والزلزلة في الركعة الثانية في الفجر كذلك، ولو فعل واحد منا اليوم هذا لقالوا: لا يحفظ، يعيد الزلزلة مرتين، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وهذا من السنة.
كما أن هناك بعض السور ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يكررها في صلواته.