الحمد لله.
والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: قال المصنف رحمه الله: [باب: الإجارات].
انتقل المصنف بعد أن انتهى من كتاب البيوع إلى كتاب الإجارة، وعقد الإجارة عقد على المنافع، وعقد البيع عقد على الأعيان، فبعد أن انتهى من بيان عقد البيوع على الأعيان انتقل إلى عقد الإجارات على المنافع.
قال: [وهو عقد على المنافع].
والعقود أنواع، وعقد الإجارة ملزم للطرفين، وأما العقد الملزم لطرف والجائز لطرف فهو عقد الرهن، مثال ذلك: قلت لك: أريد ألفاً من الجنيهات.
قلت لي: لن أعطيك الألف إلا برهن، فجئت لك بالرهن، لأن العقد يلزمني بذلك، فقلت أنت: خذ الألف ولا أريد منك رهناً، فهذا جائز منك، أما أنا فلا أستطيع أن أقول: أعطني الألف بدون رهن، فعقد الرهن ملزم لطرف وجائز لطرف آخر، وعقد البيع ملزم للطرفين، فاحفظوا ذلك، وقيدوا العلم بالكتاب: العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة إن آفة العلم النسيان، وقد ذكر البخاري حديثاً في كتاب العلم هذا: أن أبا هريرة كان يقول: لم يكن أحد أكثر بلاغاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني سوى عبد الله بن عمرو؛ لأنه كان يكتب وكنت لا أكتب.
أي: أن عبد الله بن عمرو كان يكتب الحديث، فازداد بلاغاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أبي هريرة الذي كان يعتمد على الذاكرة.
فلابد لطالب العلم من الثبات والتحقيق وعدم التنقل.
يقول الدكتور بكر أبو زيد: من ثبت نبت، فالشجرة كثيرة التنقل لا تثمر، ولو ثبت على منهج واحد أثمر، (وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته)، أي: أمضاه، يعني: إذا دخل في عمل لابد أن يكمله، فمصيبة طالب العلم في هذا الزمن أنه يبدأ بكتاب الطهارة ولا يكمل، ويبدأ بتفسير الفاتحة ولا يكمل.
قال: [الإجار: عقد على المنافع كسكنى الدار].
يعني: أجرتك داراً لتسكنها بالإيجار، وليس في الشرع ما يسمى بالمشاهرة، أي: لا إيجار مدى الحياة، والقانون المصري القديم ليس من شرع الله، لابد أن يكون الإيجار لزمن محدد بمبلغ محدد، فإن انتهى عقد الإيجار عاد الملك إلى المالك، أما أن يكون المالك ليس هو المالك، وينقلب المستأجر إلى مالك! هذا ليس في شرعنا.
قال: [والحمل إلى مكان معين].
كأن أستأجر منك سيارة على أن تحملني إلى مكان معين، مثال ذلك: شخص يريد أن يركب إلى الجيزة فلابد من تحديد الأجرة وتحديد المنفعة، فتبادره أنت وتقول له: كم تريد أن تأخذ على هذا المشوار، فيقول لك مثلاً: خمسة جنيهات، فتقول له: لا.
لا أملك إلا ثلاثة جنيهات، فاتفقتما على ذلك، حتى إذا وصلتما إلى الجيزة أعطيت السائق المبلغ المتفق عليه دون نزاع أو مخاصمة.
مثال آخر: استأجرت من يحمل لك طوباً إلى الدور الرابع فقلت له: ارفع هذا الطوب من الدور الأرضي إلى الرابع، فيقول لك: كم طوبة؟ فتقول له: ألف طوبة.
كم تريد عليهن أجرة؟ فيقول لك: آخذ على المائة عشرين جنيهاً، فيكون الألف بمائة جنيه، فاتفقتما على هذا المبلغ.
لكن نحن نقول: توكل على الله! كلك بركة، سأرضيك إن شاء الله، وبعد أن يحمل له الطوب وينتهي من حملها يقول له: كم أجرتك؟ فيقول: مائة، فيقول له الآخر: لن أعطيك إلا ثلاثين جنيهاً، فيقول له: اجعلها ديناً عندك، وتحدث المشاحنات بسبب عدم تحديد أجرة المنفعة.
قال: [وخدمة الإنسان.
قال الله سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6]].
طلق رجل امرأته وهي حامل وبانت منه ثم وضعت الحمل، فالأم ترضع الطفل، ولابد للأب أن ينفق على الأم وهي ترضع في مدة الرضاعة.
وهناك مسألة أخرى، وهي قول الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6].
فإن طلق الرجل زوجته وهي حامل في الشهر السابع، وقد بانت منه طلاقاً غير رجعي، فالمطلوب من الرجل أن ينفق عليها في مدة الحمل؛ لأن الولد الذي في بطنها يحتاج إلى غذاء، فإن وضعت أنفق عليها مدة الرضاعة، يقول ربنا سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] أي: أجورهن على الرضاعة، ففي باب الإجارة يدلل المصنف على جواز الإجارة من القرآن.
وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:26].
فشعيب استأجر موسى عليه السلام لعمل محدد.
قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27]، فانظر أولاً إلى عدل شعيب بين البنتين، إذ ترك الخيار لموسى.
ثانياً: قال: ((إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ))، فالذي يزوج البنت هو الأب؛ لأنه الولي الطبيعي عليها.
ثالثاً: في الآية جواز أن يعرض الرجل ابنته على الرجل الص