مسألة: وكل رجل آخر بطلاق زوجته، فطلقها له، هل يجوز له أن يزوجها؟ أي: الوكيل طلّق المرأة بتوكيل، فإذا جاء المرأة رجل آخر يريد أن يتزوجها فوكّل نفسه لزواجها، فهل فعله يجوز أم لا؟ الوكيل يجوز له أن يطلق، ويجوز له أن يزوج على حسب مرات الوكالة، أما هنا فلا يجوز؛ لأنه طلق بصفته وكيلاً لا ولي أمر، فليس له علاقة بها على الإطلاق.
مثال ذلك: وكّلت أنا الموقع أدناه فلان بن فلان أخي فلان بن فلان في تطليق زوجتي فلانه بنت فلان على أن يسدد لها مؤخر الصداق، وقدره خمسة آلاف جنيه، وأن يعطيها نفقة المتعة والعدة ثلاثة آلاف جنيه، وليس له حق التصرف في أكثر من ذلك، وله الحق في التوقيع نيابة عني أمام المأذون وفي كل ما من شأنه إجراء الطلاق.
فأخذ الوكيل التوكيل وذهب إلى المأذون، وجاءت الزوجة، هل يقول لها: أنتِ طالق؟ لا، وإنما يقول: أنتِ طالق من الذي وكلني، بعد هذا جاءت الزوجة فاطمة نفسها، وآخر وكله بالزواج منها، فقال: قبلت الزواج منها لموكلي، فهو يجري الطلاق ويجري الزواج بصفته موكلاً.
فلا بد أن أوكله في الطلاق، ولا بد أن أنص على الطلاق في الوكالة، وأن الوكالة قائمة، وأن يتحقق منها المأذون.
قال: [تجوز الوكالة بإجماع الأمة في الجملة، وتجوز في الشراء والبيع والنكاح؛ لأن النيابة تدخلها، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة بن الجعد ديناراً، وأمره أن يشتري به شاة].
عروة بن الجعد هل كان يشتري لنفسه أم لوكيله؟ لوكيله، من هو وكيله؟ أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، فذهب عروة بن الجعد إلى السوق فوجد رجلاً يبيع شاتين بدينار، والنبي صلى الله عليه وسلم وكله بشراء شاة واحدة، فاشترى شاتين وباع في طريقه شاة، وأتى بشاة ودينار، فالدينار كما هو والشاة معه وقال: يا رسول الله اشتريت بالدينار شاتين فبعت شاة، فهذه الشاة وهذا الدينار، فقال: (اللهم بارك له في بيعه، فكان الرجل لا يبيع ولا يشتري إلا أن يبارك الله له بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم).
وهنا نقول الشاهد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وكّل عروة بن الجعد في الشراء.
قال: [وقال تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19]].
فهل إذا بعثني أحد لأشتري له سلعة وأعطاني 100 جنيه فاشتريتها بـ50 جنيه، آخذ الزيادة لي؟
صلى الله عليه وسلم لا.
فهذا لا يجوز، فأنت أمين على مال الوكيل.
قال: [وقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60]].
فالعامل عليها وكيل، والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دفع لـ علي رضي الله عنه الهدي ليذبحه بدلاً منه، فهو هنا وكيل، فذبح بيده الطاهرة ثلاثاً وستين، ودفع الباقي لـ علي كوكيل ليذبح الباقي، فالتوكيل في الذبح يجوز.
قال: [فجوّز العمل عليها.
وقال جابر بن عبد الله للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أريد الخروج إلى خيبر، فقال: ائت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً، فإذا ابتغى منك آية، فضع يدك على ترقوته)، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية في قبول نكاح أم حبيبة، وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة.
وتجوز الوكالة بشرط أن تكون فيما تدخله النيابة كالبيع، والشراء، والنكاح، وتجوز في الرهن، والحوالة، والضمان، والكفالة، والشركة، والوديعة، والمضاربة، والجعالة -الجعل هو المقابل- والمساقاة، والإجارة، والقرض، والوصية، والصلح، والهبة، والوقف، والصدقة، والفسخ، والإبراء، والقسمة -كل هذه تجوز فيها الوكالة؛ لأنها تجوز فيها النيابة- وهي في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها حكمه، ولا نعلم في شي من ذلك خلافاً].