وكيف يكون متواصل الأحزان، وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن؟ بل كان دائم البشر، ضحوك السن كما في صفته: الضحوك القتال - صلوات الله وسلامه عليه - وأما الخبر المروي: (إن الله يحب كل قلب حزين) فلا يعرف إسناده، ولا من رواه ولا تعلم صحته، وعلى تقدير صحته: فالحزن مصيبة من المصائب التي يبتلي الله بها عبده، فإذا ابتلى به العبد فصبر عليه أحب صبره على بلائه، وأما الأثر الآخر: (إذا أحب الله عبدا نصب في قلبه نائحة، وإذا أبغض عبداً جعل في قلبه مزماراً) فأثر إسرائيلي، قيل: إنه فى التوراة وله معنى صحيح، فإن المؤمن حزين على ذنوبه والفاجر لاه لاعب مترنم فرح، وأما قوله تعالى عن نبيه إسرائيل: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) (يوسف: 84) فهو إخبار عن حاله بمصابه بفقد ولده وحبيبه وأنه ابتلاه بذلك كما ابتلاه بالتفريق بينه وبينه. وأجمع أرباب السلوك: على أن حزن الدنيا غير محمود إلا أبا عثمان الحيري فإنه قال: الحزن بكل وجه فضيلة وزيادة للمؤمن ما لم يكن بسبب معصية قال: لأنه إن لم يوجب تخصيصاً فإنه يوجب تمحيصاً فيقال: لا ريب أنه محنة وبلاء من الله بمنزلة المرض والهم والغم وأما أنه من منازل الطريق: فلا والله سبحانه أعلم).
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين في شرح كتاب البيوع من بلوغ المرام:
(كل ما يُحْدِث الندم فإنّ الشرع يأمرنا بالابتعاد عنه، ولهذا أيضاً أصول منها: أن الله سبحانه وتعالى قال: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله) (المجادلة: 10)، والله تعالى إنما أخبرنا بذلك من أجل أن نتجنب هذا الشيء، ليس مجرد إخبار أن الشيطان يريد إحزاننا، لا؛ المراد: أن نبتعد عن كل ما يحزن, ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يتناجى اثنان دون الثالث، من أجل أن ذلك يحزنه) (?)؛ فكل ما يجلب الحزن للإنسان فهو منهي عنه.