قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل في غزواته: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه خمساً وعشرين غزوة، هذا هو المشهور، قاله محمد بن إسحاق وأبو معشر وموسى بن عقبة وغيرهم، وقيل: غزا سبعاً وعشرين، والبعوث والسرايا خمسون أو نحوها، ولم يقاتل إلا في تسع: بدر وأحد والخندق وبني قريظة والمصطلق وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف، وقد قيل: إنه قاتل بوادي القرى وفي الغابة وبنو النضير].
ذكر المصنف رحمه الله تعالى غزواته صلى الله عليه وسلم، والفرق بين الغزوة والسرية: أن الغزوة يقودها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، أما السرية أو البعث فهو ما يبعثه النبي عليه الصلاة والسلام ويجعل عليه قائداً من الصحابة دون أن يكون معهم.
فالمعركة التي يحضرها صلوات الله وسلامه عليه هذه غزوة، والتي لا يحضرها وإنما يبعث بعثاً تسمى سرية أو بعثاً وكلاهما بمعنى متقارب، ولا يكون صلى الله عليه وسلم مشاركاً فيها.
ومعلوم أن المصنف يذكر هذه الأمور وهي واضحة، فلا ينبغي لمن يتولى الشرح أن يكرر ما يقوله صاحب المتن؛ لأن هذا لا يسمى شرحاً، وإنما نذكر ما وراء هذا المتن فنقول: هذه الغزوات من أعظم الدلائل على جهاده بالسنان كما جاهد باللسان صلوات الله وسلامه عليه، فقد قاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، والعدد الذي ذكره المصنف عدد تقريبي قد يزيد قليلاً وقد ينقص قليلاً، وهي في جملتها تدل على ما كان عليه صلوات الله وسلامه عليه من جهاد في سبيل إعلاء دين ربه تبارك وتعالى.
والنبيون الذين قبله عليه الصلاة والسلام لم يكن الجهاد مشروعاً لديهم، وإنما شرع الجهاد، من موسى فما بعد، أما قبل موسى فلم يكن الجهاد مشروعاً، وإنما كان النبي يدعو قومه فيختلفون فيه إلى فريقين، ويكون أكثرهم غير متبعين، وقليل منهم متبع للنبي، ثم إن الله يهلك من لم يتبع ذلك النبي فينتهون، كما أهلك الله ثمود، وأهلك الله عاداً، وأهلك الله قوم نوح، وأهلك كثيراً من الأمم دون أن يكون هناك جهاد بين النبي وأتباعه من المؤمنين مع أولئك الكفار، وإنما شرع الجهاد في شريعة موسى كما قال الله جل وعلا: {ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة:21].
وشرع الجهاد في عهد الأنبياء من بني إسرائيل وعيسى بن مريم، ثم جاء نبينا صلى الله عليه وسلم فشرع الجهاد بعد هجرته عليه الصلاة والسلام إلى المدينة.