الحمد لله خالق الكون بما فيه، وجامع الناس في يوم لا ريب فيه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، تقدست عن الأشباه ذاته، ودلت على وجوده آياته ومخلوقاته.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، آخر الأنبياء في الدنيا عصراً وأولهم وأرفعهم يوم القيامة شأناً وذكراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا ثالث الدروس العلمية التي نتفيأ من خلالها السيرة العطرة والأيام النضرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم عبر متن علمي هو الدرة المضيئة للإمام المقدسي رحمه الله تعالى.
وقد سبق أن تحدثنا عن وفاته وأولاده صلوات الله وسلامه عليه، وذكرنا أنه عليه الصلاة والسلام توفي عن ثلاثة وستين عاماً، قضى منها بعد بعثته ثلاثة وعشرين عاماً، ثلاثة عشر منها في مكة وعشر سنين في مدينته صلوات الله وسلامه عليه.
ومن المسائل التي طرحناها أنه نقل نقلاً صحيحاً أنه وضع تحت جسده في قبرة قطيفة حمراء، وضعها شقران واسمه صالح مولاه صلوات الله وسلامه عليه، وقلنا: إن من العلماء من قال بكراهة هذا الأمر، فإن قيل: إن هذا اختاره الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم، والله لا يختار لنبيه إلا الأفضل، ف
صلى الله عليه وسلم أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وهذا من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه.
كما ذكرنا من المسائل: أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا عليه صلوات الله وسلامه عليه صلاة الميت أفذاذاً بمعنى: أفراداً ولم يؤمهم أحد، وقلنا: إن لأهل العلم أجوبة عن سبب هذا من أظهرها: ما أجاب به الإمام أبو عبد الله الشافعي رحمة الله عليه، وهو أنه لعظيم قدره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم على الصلاة عليه.
وقيل: إنه من باب التعبد الذي لا يعلل، وهذا أبعد الأجوبة.
وقيل: لكثرة الصلاة عليه صلوات الله وسلامه عليه، حيث إنهم إذا لم يصلوا عليه مرة واحدة فإن هذا يكثر الصلاة عليه.
وذكرنا أولاده من البنين والبنات، وذكرنا أن كلمة الولد تطلق في اللغة على الذكر والأنثى، كما في قوله جل وعلا: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11] فجمع الأولاد ثم فصل جل وعلا فأدخل الذكر والأنثى في مسمى الأولاد.
وقد بينا أنه صلى الله عليه وسلم له من البنين ثلاثة، ومن البنات أربع، وأن جميع أولاده توفوا قبله إلا فاطمة توفيت بعده بستة أشهر رضي الله عنها وأرضاها، وقد كان أخبرها يوم وفاته أنها أول أهله لحوقاً به.
وذكرنا أن دفنه صلى الله عليه وسلم في الموضع الذي مات فيه أحد خصائص الأنبياء، ومن باب الفوائد ذكرنا ستة أشياء من خصائص الأنبياء، منها أنهم يدفنون حيث يموتون، وتنزل الوحي عليهم وهو أعظم خصائصهم، وأنه تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، وأنهم يخيرون عند الموت، ورعي الغنم، وأن الأرض لا تأكل أجسادهم.