قال المصنف رحمه الله تعالى: [ونشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيماً يكفله جده عبد المطلب، وبعده عمه أبو طالب بن عبد المطلب.
وطهره الله عز وجل من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلق جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين لما شاهدوا من أمانته وصدق حديثه وطهارته].
لا ريب أن الله أعد نبيه صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر العظيم منذ الأزل، فكان منطقياً أن يتعهده ربه جل وعلا من صغره، والله جل وعلا قال لموسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] فإذا كان في حق موسى فكيف بحق محمد صلى الله عليه وسلم؟! والمصنف هنا ذكر ما أفاءه الله جل وعلا عليه من إيواء جده عبد المطلب أول الأمر، ثم عمه أبي طالب، وكلا الرجلين بذلا جهداً عظيماً في كفالة نبينا صلى الله عليه وسلم.
أما عبد المطلب فقد كان يقربه منه، وكان يُفرش له فراش عند الكعبة فيجلس صلى الله عليه وسلم بجوار جده ولا يُعاتبه أحد رغم أن عبد المطلب كان وجيهاً سيداً مُطاعاً مهاباً، لكن كانت الحَظْوَة برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صبي عند جده عظيمة.
فلما مات كفله عمه أبو طالب، وأبو طالب اسمه عبد مناف - على الأظهر -، وهذا العم مات على غير إسلام، مع أنه كان من أعظم النصراء لنبينا صلى الله عليه وسلم.
ومما يذكر عنه من تعهده لنبينا عليه الصلاة والسلام صغيراً وكبيراً أن قريشاً طلبت من أبي طالب أن يستسقي لهم حين أجدبت الديار - كما نقل ابن عساكر في تاريخ دمشق- فجاء أبو طالب وحمل النبي صلى الله عليه وسلم - وكان صغيراً أبيض - فألصقه بجدار الكعبة، فلما ألصقه بجدار الكعبة أشار صلى الله عليه وسلم بإصبعه إلى السماء وهو صبي، فجاء السحاب من كل مكان فسقوا حتى سال الوادي، فقال أبو طالب في لاميته بعد ذلك: وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل وهذا من حظوة النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب، فلما كبر بقيت هذه الحَظْوَة كما هي، وكان صلى الله عليه وسلم قد رباه الله وتعهده أنه يفقه ماذا يفعل وماذا يصنع من دون أن يعلم أنه سيكون نبياً، فكان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة من أجل أن يسد العوز والفقر والمسكنة المالية التي أصابت أبا طالب حتى لا يكون عبئاً عليه، فلما حوصرت بنو هاشم في الشعب كان أبو طالب - رغم كفره - أحد الذين حوصروا مع النبي عليه الصلاة والسلام في الشعب.
وبلغ من محبته - رغم الكفر- للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا جاء الليل يحمل النبي عليه الصلاة والسلام من مكانه ويضعه في مكاناً آخر، ثم يأتي بأحد أبنائه ويضعه مكان النبي عليه الصلاة والسلام حتى إذا أراد أحد قد بيت النية أن يغتال النبي عليه الصلاة والسلام وهو نائم يغتال ابنه لصلبه ولا يغتال النبي عليه الصلاة والسلام، كان يفعل هذا وهو مشرك! يقول الله في الأنعام: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:26] ينهون عن قتل النبي صلى الله عليه وسلم، {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:26] أي: لا يقبل أن يدخل في الدين، حتى نعلم أن الهداية مردها إلى الرب تبارك وتعالى.