قال المصنف رحمه الله تعالى: [روى جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أنا محمد وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي حشر الناس، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي) صحيح متفق عليه].
هذا فصل في ذكر أسمائه صلوات الله وسلامه عليه.
وتحرير المسألة أن يقال: إن من أسمائه صلى الله عليه وسلم ما يشاركه فيه الناس مثل محمد وأحمد، فالناس يسمون بمحمد وأحمد، ولهذا لم يقل صلى الله عليه وسلم في تفسيرهما شيئاً، قال: أنا محمد ولم يبين، وقال: أنا أحمد ولم يفصل؛ لأنهما من الأسماء المشتركة التي يجوز أن يتسمى بها كل أحد، لكن عندما قال: (أنا الماحي، أنا العاقب) فصل صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن الماحي والعاقب تتعلق بكونه نبياً ورسولاً، ولا تتعلق بكونه رجلاً ينادى بين الناس.
ومعنى كونه عليه الصلاة والسلام ماحياً أي: يمحو الله به الكفر، والعاقب أي: جاء عقب النبيين عليه الصلاة والسلام، هذا يتعلق برسالته، فلهذا بين ما معنى الماحي، وبين ما معنى العاقب، وهو الحاشر الذي يحشر الناس على يديه، بمعنى: أن من أشراط الساعة خروجه صلى الله عليه وسلم، لكنه عندما قال: أنا محمد وأنا أحمد فهذا من أسمائه التي يشترك فيها صلى الله عليه وسلم في أصل التسمية مع الناس.
وأحمد هو الاسم المسمى به في الإنجيل، ومحمد هو الاسم المسمى به في التوراة، في التوراة جاء أن اسمه محمد، وفي الإنجيل جاء أن اسمه أحمد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [روى أبو موسى عبد الله بن قيس قال: (سمى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء منها ما حفظنا فقال: أنا محمد وأنا أحمد والمقفي ونبي التوبة ونبي الرحمة).
وفي رواية: (ونبي الملحمة) وهي المقتلة.
صحيح رواه مسلم].
أبو موسى هو أبو موسى الأشعري الصحابي الجليل المعروف، أحد الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن.
والحديث كما بين المصنف أخرجه الإمام مسلم في الصحيح، وقد ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أسماء خاصة به هي محمد وأحمد بالنسبة للنبيين، فلا يوجد نبي من الأنبياء اسمه محمد أو أحمد، لكن نبي التوبة تطلق عليه وعلى غيره من الأنبياء، ونبي الرحمة تطلق عليه وعلى غيره من الأنبياء؛ لأن كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا رحمة وتوبة للناس، لكن الفرق بينه وبينهم أن له منها صلى الله عليه وسلم الحظ الأوفر والنصيب الأكمل.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أحمد وأنا محمد وأنا الحاشر، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، فإذا كان يوم القيامة لواء الحمد معي، وكنت إمام المرسلين، وصاحب شفاعتهم).
وسماه الله عز وجل في كتابه العزيز: بشيراً ونذيراً ورءوفاً ورحيماً ورحمة للعالمين، صلى الله عليه وسلم].
الأسماء الأولى التي ذكرها صلى الله عليه وسلم ونقلها المصنف تدل على رفيع مقامه عليه الصلاة والسلام عند ربه، وعلو منزلته.
وله عليه الصلاة والسلام خصائص في الدنيا وخصائص في الآخرة، والمقام المحمود خصيصة في الآخرة وهي أعظم خصائصه صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد وأرجو أن أكون أنا هو) صلوات الله وسلامه عليه، ونحن نقول كما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام: (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته).
والله جل وعلا قال له في الإسراء: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79] فالمقام المحمود له صلى الله عليه وسلم.
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (ولواء الحمد يومئذ بيدي) كل الناس آدم فمن سواه تحت هذا اللواء الذي يحمله صلوات الله وسلامه عليه.
والمقصود: رفيع مقامه وجليل مكانته، ولا نريد أن نفصل فيها أكثر لأنها سيأتي بيانها في فصول قادمة، لكن معلومٌ من الدين بالضرورة مقامه الرفيع صلوات الله وسلامه عليه بين خلق الله أجمعين ورفيع منزلته وعلو درجته عليه الصلاة والسلام عند ربه.
ثم قال المصنف: وسماه الله بشيراً ونذيراً ورءوفاً ورحيماً ورحمة للعالمين، هذه صفات له عليه الصلاة والسلام أكثر من كونها أسماء، لأن جميع الرسل كانوا مبشرين وكانوا منذرين، وكانوا رءوفين بأممهم، وكانوا راحمين للعالم أجمع، لكن الفرق بينه وبينهم صلوات الله وسلامه عليه أن له المقام الأعلى وأنه أوفر حظاً وأكمل نصيباً عليه الصلاة والسلام.