وَلَقَد خلط الكاتبون بَين هَذِه الدراسات والتصوف فزعموا أَن فِي التصوف مَذَاهِب وفرقا وَطَوَائِف
وَلَو أنعموا النّظر لعرفوا أَن التصوف تجربة روحية وَلَيْسَ نظرا عقليا وَذَا كَانَ النّظر الْعقلِيّ يفرق الناظرين إِلَى طوائف وَفرق فَإِن التجربة لَا يخْتَلف فِيهَا اثْنَان وَإِذا كَانَت الفلسفة لِأَنَّهَا نظر عَقْلِي مَذَاهِب مُتعَدِّدَة فَإِن التصوف وَهُوَ تجربة مَذْهَب وَاحِد لَا تعدد فِيهِ وَلَا اخْتِلَاف
وكما أَنه لَا يستساغ الْخلطَة بَين الْوَسَائِل والغايات فِي أَي ميدان من الميادين فَإِنَّهُ لَا يستساغ الْخَلْط بَين طرق التصوف وَهِي وَسَائِل وَبَين الْغَايَة وَهِي التصوف نَفسه
فطرق التصوف مُتعَدِّدَة مُخْتَلفَة وَبَعضهَا أوفق من بعض وَبَعضهَا أسْرع من غَيرهَا وَلكنهَا على اختلافها وتعددها تُؤدِّي إِلَى هذف وَاحِد وَغَايَة وَاحِدَة
التصوف إِذن مَذْهَب بِصِيغَة الْمُفْرد لَا مَذَاهِب بِصِيغَة الْجمع وتعبير الْمُؤلف اذا مُسْتَقِيم كل الاسْتقَامَة
وَيَقُول الْمُؤلف أهل التصوف وللتصوف حَقِيقَة أَهله وذووه أما أَهله وذووه فهم هَؤُلَاءِ الَّذين وهبهم الله حسا مرهفا وذكاء حادا وفطرة روحانية وصفاء يكَاد يكون فِي صفاء الْمَلَائِكَة وطبيعة تكَاد تكون مخلوقة من النُّور
وَالنَّاس معادن والطبائع مُخْتَلفَة فَمِنْهَا مَا يرقى إِلَى الطبيعة الملائكية وَكَأَنَّهُ فِي طَبِيعَته قبس خَالص من نور الله وَمِنْهَا مَا يسفل ويسفل إِلَى أَن يصبح أَو يكَاد فِي مستوى السَّائِمَة