ويستنزل الدموع لحسن لفظه، وصحة معناه، وشرف قائله، وأنه إذا سمع علم أنه عن نية صادقة. قال: الطويل
نأى آخر الأيّام عنك حبيب ... فللعين سحٌّ دائمٌ وغروب
دعته نوىً لا يرتجى أوبةٌ لها ... فقلبك مسلوبٌ وأنت كئيب
يؤوب إلى أوطانه كلّ غائبٍ ... وأحمد في الغيّاب ليس يؤوب
تبدّل داراً غير داري وجيرةً ... سواي وأحداث الزّمان تنوب
أقام بها مستوطناً غير أنّه ... على طول أيّام المقام غريب
تولّى وأبقى بيننا طيب ذكره ... كباقي ضياء الشّمس حين تغيب
خلا أنّ ذا يفنى ويبلى وذكره ... بقلبي على طول الزّمان قشيب
كأن لم يكن كالدّرّ يلمع نوره ... بأصدافه لمّا تشنه ثقوب
كأن لم يكن كالغصن في ميعة الضّحى ... سقاه النّدى فاهتزّ وهو رطيب
كأن لم يكن زين الفناء ومعقل النّس ... اء إذا يومٌ يكون عصيب
وريحان قلبي كان حين أشمّه ... ومؤنس قصري كان حين أغيب
قليلاً من الأيّام لم يرو ناظري ... بها منه حتّى أعلقته شعوب
كظلّ سحابٍ لم يقم غير ساعةٍ ... إلى أن أطاحته فطاح جنوب
أو الشّمس لمّا عن غمامٍ تحسّرت ... مساءً وقد ولّت وحان غروب
كأنّي به إذ كنت في النّوم حالمٌ ... نفى لذّة الأحلام عنه هبوب
فلست خطوب الدّهر أحفل بعده ... ولو كان ما منه الوليد يشيب
ولا لي شيءٌ عنه ما عشت لذّةٌ ... ولو نلت ما هبّت عليه هبوب
وكان نصيب العين من كلّ لذّةٍ ... فأضحى وما للعين منه نصيب
وكان وقد آزى الرجال بعقله ... فإن قال قولاً قال وهو مصيب
بما تتهاداه الرّكاب لحسنه ... ويفحم منه الكهل وهو أريب