الصلاة فما جئنا إلا وقد غسله وحنطه وكفنه ودخل بسريره غير منتظر لشهادة الإخوان ولا لجمع الجيران.
قال: فلما بلغنا ذلك تلاحقناه فقلنا: يغفر الله لك يا أبا عبد الرحمن، هلا انتظرتنا حتى نفرغ من صلاتنا ونشهد ابن أخينا. فقال: أمرنا ألا ننتظر بموتانا ساعةً، ماتوا من ليل أو نهار. والإذن فيهم من نعي الجاهلية. قال: فنزل في القبر ونزل معه آخر فقلت: الثالث يا أبا عبد الرحمن، فقال: إنما يقول الثالث الذين لا يعلمون. فلما سوى عليه التراب أراد الخروج فناولته يدي لأنتشطه من القبر فأبى وقال: ما أدع ذلك لفضل قوة، ولكن أكره أن يرى الجاهل أن ذلك مني جزع أو استرخاء عند المصيبة. ثم أتى مجلسه فدعا بدهن فادهن بكحل فاكتحل وببردة فلبسها، وأكثر في يومه ذلك من التبسم، ينوي به ما ينوي، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. في الله خلف من كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودرك لكل ما فات. وقال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: من أصيب بمصيبة فدعا عليها ويلاً غضب الله عليه، ومن لطم عليها وجهاً احتجب الله عنه، ومن خرق عليها ثوباً خرق دينه ومزقه وبدده.