العقود والمعاملات، أما الصبر فيغرس في النفس من احتمالها على الجوع والعطش، وهما من ضروريات حياتها وبقائها، والصبر على الضروريات من أشدّ ما تكايده النفس وتعانيه، وبهذا يكون الصبر عليها أقوى من الصبر على غيرها من الكماليات أو اللغو في الحديث أو الفحش في القول وغير ذلك، وأن كان ذلك كله محرمًا أيضًا على الصائم، وينبغي أن يتجنبه ما دام صائمًا، ويصبر على مقاومته، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة" ويقول: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" "رواه البخاري"، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45] ، فالصبر على الطعام والشراب سلاح ضدِّ الشيطان وهوى النفس والشهوات، قالت عائشة -رضي الله عنها: "أول بلاء حديث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فضعفت قلوبهم، وجمحت شهواتهم" "رواه البخاري".
والصبر الذي يغرسه الصوم له دوره الفعال في مجال العقود والمعاملات، فهو سلاح قوي يقاوم الشطط في الأسواق ويحارب شهوات النفس من حبها للمال وجمعه بشتى الوسائل، ويوزن التصرفات المالية على أساس من الحكمة والاتزان، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، فإذا ما كان أحد المتعاقدين صابرًا بضبط نفسه، كان النجاح والتوفيق حليف المتعاقدين في العقود والتصرفات والمعاملات، وكذلك الصوم يربي في النفس أسمى أنواع الأمانات البشرية، وهي الأمانة الخالصة لوجه الله عز وجل، فالأمين على حاجات الناس قد يتمسَّك بالأمانة، ويزداد تمسكًا وحفاظًا كلما أثنى على أمانته الناس؛ فزيادة التمسك بالأمانة يرجع إلى ثناء الناس لا ابتغاء وجه الله عز وجل،