ولذلك لم تكن خالصة لله، بل قد تعتريها شبهة الاستجابة لثقة الناس فيه، بينما الأمانة التي يغرسها الصوم لا تعتريها هذه الشبهة، بل تكون خالصة لوجه الله عز وجل؛ لأن أداء الصوم بشروطه وأركانه لا يكون طمعًا في رضى الناس عنه وخوفًا منهم، فقد يتظاهر الإنسان بالصوم أمام الناس إرضاء لهم، أو خوفًا منهم، ثم يأكل ويشرب في الخفاء، وإنما يكون أداء الصيام ابتغاء مرضاة الله خالصًا لوجهه الكريم؛ لأنه يعلم السر وأخفى، ويرى الصائم دائمًا لا تخفى عليه خافية، لذلك يكون الصائم أمينًا، وتكون أمانته أسمى أنواع الأمانات؛ لأنها خالصة لله عز وجل، لا تظاهرًا ولا رياء ولا سمعة، ولا طمعًا في شهوات النفس، ومن ثم يقول الله -عز وجل- في حديث قدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" "رواه البخاري"، وما أحوجنا في العقود والمعاملات إلى هذا النوع السامي من الأمانة التي يغرسها الصيام في النفس، حينئذ يتعامل الناس فيما بينهم على أساس مجرد من الهوى أو الرياء أو التظاهر، وتكون تصرفاتهم في عقودهم ومعاملاتهم ابتغاء مراضة الله عز وجل، فلا يتظالم الناس ولا يأخذون أموال غيرهم بالباطل.

وأما تنمية الأخلاق الاجتماعية عن طريق مشاعر الحج، فيعود إلى ما يغرسه الحج في النفس من مبادئ سامية، أهمها التكافل الاقتصادي بين شعوب الأمة الإسلامية، فتتحد كلمة المسلمين على الوقوف بجانب البلاد الفقيرة لتغطي حاجاتها، وتتعاون معها في سبيل النهوض بها، وإقالتها من عثرتها، لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وهو ما تشير إليه الآية الكريمة من شهود المنافع للمسلمين، قال تعالى: {وَأَذِّن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015