تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15] ، وهذه المرحلة يكثر فيها الشيخ من الكلام، ليملأ به الفراغ الذي يعيشه، ويحاول أن يمتصَّه بالحديث واللغو، وذلك لاعتداده بنفسه، وثقته بأنه الأوحد في عصره، وصاحب التجربة الكبرى في الحياة، وينبغي أن يسمع له، ويستجاب لأمره، لهذا كله يربيه الإسلام على الصمت وخاصة في هذه المرحلة، فهو أولى وأفضل من الكلام والثرثرة، فالصمت تفكر وتأمل في الله تعالى.
وحذره أيضًا من القيل والقال، وكثرة السؤال، مما يؤدي إلى كثرة الكلام، التي تدفع إلى الخطأ، وتوقع في المحظور، وتكدر النفوس، وتُذهب بهيبة المسلم ووقاره، روى المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" "متفق عليه".
وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يعالج من نفسه كثرة الكلام بأن يضع حصاة تحت لسانه لتمنعه من الكلام، حتى يتبين الخير فيه، ويسأل عقبة بن عامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" "رواه الترمذي".
ويضع النووي معيارًا دقيقًا لاستخدام اللسان، فيقول: ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه من جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد يجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، وهنا دليل صريح في أنه ينبغي ألا يتكلم، إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى