عقوبة الحد لا يجوز العفو عنها وإسقاطها ولا تأخير تنفيذها؛ فهي عقوبة محتمة لا بد منها، أما عقوبة التعزير المتلفة فلولي الأمر العفو عنها، ولهذا فهي عقوبة غير لازمة لا تهدر عصمة المحكوم عليه، إذ من الجائز أن يصدر عنها عفو في اللحظة الأخيرة.
515 - الاستيفاء في جرائم القصاص: والأصل أن عقوبات جرائم القصاص كغيرها من العقوبات متروك إقامتها لأولي الأمر، لكن أُجيز استثناءً أن يُستَوفَى القصاص بمعرفة ولي الدم أو المجني عليه، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] .
ومن المتفق عليه أن لولي المجني عليه حق استيفاء القصاص في القتل بشرط أن يكون الاستيفاء تحت إشراف السلطان؛ لأنه أمر يفتقر إلى الاجتهاد ويَحرُم فيه الحيف، ولأنه لا يؤمن الحيف من المقتص مع قصد التشفي، لكن إذا استوفاه في غير حضور السلطان وقع الموقع؛ أي وقع الفعل قصاصاً، وعزر المستوفي لافتياته على السلطان وفعله ما منع من فعله.
وينظر السلطان في الولي؛ فإن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه بالقوة والمعرفة اللازمة مكنه منه، وإن كان لا يحسن الاستيفاء أمَرَه أن يوكل غيره؛ لأنه عاجز عن استيفاء حقه.
وليس ثمة ما يمنع أن يعين خبير لاستيفاء الحدود والقصاص يأخذ أجره من بيت المال؛ لأن هذا العمل من المصالح العامة، فإذا كان الولي لا يحسن القصاص وكل هذا الخبير.
فإذا كان القصاص فيما دون النفس - أي فيما ليس قتلاً - فيرى أبو حنيفة أن للمجني عليه الحق في استيفاء العقوبة بنفسه إن كان خبيراً يحسن الاستيفاء، فإن لم يكن يحسنه وكل عنه من يحسنه. وما يراه أبو حنيفة هو وجه في مذهب أحمد (?) .