لكن إذن الإمام بإقامة الحد واجب، فما أُقيم حد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بإذنه، وما أقيم حد في عهد الخلفاء إلا بإذنهم، ومما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا قوله: "أربع إلى الولاة: الحدود، والصدقات، والجُمعات، والفيء" (?) .
وإذا كانت القاعدة العامة أن إقامة الحد للإمام أو نائبه، إلا أنه لو أقامه غيره من الأفراد فإن مقيمه لا يُسأل عن إقامته إذا كان الحد متلفاً للنفس أو للطرف (?) ؛ أي إذا كان الحد قتلاً أو قطعاً، وإنما يسأل باعتباره مفتاتاً على السلطات العامة. أما إذا كان الحد غير متلف كالجلد في الزنا والقذف فإن مقيمه يسأل عن إقامته؛ أي أنه يسأل عن الضرب والجرح وما يتخلف عنهما. والفرق بين هاتين الحالتين أن الحد المتلف للنفس أو الطرف يزيل عصمة النفس وعصمة الطرف، وزوال العصمة عن النفس يبيح القتل، وزوال العصمة عن الطرف يبيح القطع، فيصير قتل النفس أو قطع العضو مباحاً ولا جريمة فيما هو مباح. أما الحد غير المتلف فلا يزيل عصمة النفس ولا عصمة الطرف قيبقى معصوماً من يرتكب جريمة عقوبتها حد غير متلف، وتعتبر إقامة الحد عليه جريمة ما لم تكن الإقامة ممن يملك تنفيذ العقوبة.
514 - الاستيفاء في جرائم التعازير: واستيفاء العقوبات المحكوم بها في جرائم التعازير من حق ولي الأمر أو نائبه أيضاً؛ لأن العقوبة شرعت لحماية الجماعة فهي من حقها فيترك استيفاؤها لنائب الجماعة، ولأن التعزير كالحد يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف.
وليس لأحد غير الإمام أو نائبه إقامة عقوبة التعزير ولو كانت متلفة للنفس، فإن قتل أحد الأفراد شخصاً محكوماً عليه بالقتل تعزيراً فهو قاتل له ولو أن عقوبة القتل متلفة للنفس، والفرق بين عقوبة الحد المتلفة للنفس وعقوبة التعزير المتلفة للنفس أن