نحويات عروضيات أديبات خطاطيات، تدل على ذلك لمن جهلهن الدواوين الكبار التي ظهرت بخطوطهن في معاني القرآن وغريبه ذلك من فنونه، وعلوم العرب من الأنواء والأعاريض والأنحاء، وكتب المنطق والهندسة وسائر أنواع الفلسفة ... " ثم يتبجح مفتخراً بعرض تجربته ويقول: ولا تطمع أن تظفر بعالم مثلي أو متفرغ فضولي شبهي ".]

[وقد توقفت طويلاً عند هذا الفصل وتشككت في أن يكون الشخصان واحداًن وإنما حملني على ذلك مبلغ ما يوليه ابن حزم لأستاذه من تقدير علمي وأخلاقي يبعد عنه صفة التحيل وركوب الكذب ومقالة الزور. ولكن بعد التأمل لاح لي وجه آخر، فهذا هو ابن الكتاني المذحجي أستاذ ابن حزم، وقد نقلت عنه حكاية من تعليقات ابن حزم نفسه تدل على اتجاره بالجواري، إذ تصوره ذات يوم في منطقة الشمال في مجلس العلجة بنت شانجة ملك البشكنس، وفي المجلس فتيات مسلمات أسيرات منهن ابنة الشاعر سليمان بن مهران السرقسطي، وأنها غنت بأبيات وبكت فلما سئلت عن سبب بكائها ذكرت أن الأبيات لأبيها (?) وقد ساء ابن بسام أن أبي الكتاني لم يمتعض لتلك الجارية، بعدما عرف نسبتها، ولم يحاول افتكاكها من الأسر، وأنه اكتفى بإظهار جزعه على حالها] .

[وهذا هو سياق ما أورده ابن بسام مجملاً، وهو يدل على أن ابن الكتاني المتطبب كان يحترف تجارة الرقيق، وقد تبدو هذه المسألة في نظرنا اليوم مخلة بمكانة من يزاولها، خصوصاً وأن النخاسين أصحاب القيان لم يكونوا يرتفعون عن الشبهات في تسهيل " المودات "؛ وقد سكت ابن حزم عن حرفة أستاذه لسبب لاندريه، ولكن لا أظن أن سكوته كان استنكاراً لذكر مثل تلك الحرفة، بل لعله؟ وإن سكت عنها؟ كان يعدها من مزاياه، إذ كان يقدم للمجتمع الأندلسي فتيات " مثقفات "؛ وكان جزء من تلك الثقافة هو ما عرف به ابن الكتاني من مهارة في المنطق والفلسفة وسائر علوم الأوائل] .

[وما وصفه بالتحيل والكذب وقول الزور، فإنه صادر عن ابن حيان،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015