2 - وفي رواية لأبي داود قال: بينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
= قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) (?) 88 من سورة الإسراء، وقد علمت مما تقدم في حالة اللغة ما كان له من الأثر البين في توحيد اللغة ونشرها، وترقيتها من حيث أغراضها ومعانيها، وألفاظها وأساليبها، ونزيد هنا أنه قد أثر فيها ما لم يؤثره أي كتاب سماوية كان، أو غير سماوي في اللغة التي كانت بها. رذ ضمن لها حياة طيبة وعمرا طويلا وصانها من كل ما يشوه خلقها، ويذوي (?) غضارتها (?) فأصبحت، وهي اللغة الحية الخالدة من بين اللغات القديمة التي انطمست آثارها، وصارت في عداد اللغات التاريخية الأثرية، وأنه قد أحدث فيها علوما جمة وفنونا شتى لولاه لم تخطر على قلب، ولم يخطها قلم: منها اللغة، والنحو والصرف، والاشتقاق، والمعاني والبديع والبيان، والأدب، والرسم، والقراءات، والتفسير، والأصول، والتوحيد والفقه.
(إعجاز القرآن)
أجمع المسلمون على أن القرآن معجز، وسلكوا إلى بيان إعجازه طرقا شتى، ونشير هنا إلى نقطة من بحر مما قالوه فهو معجز.
أولا: من جهة أغراضه ومقاصده فتجده في كل غرض، وموضوع غ اية من الإبانة والجلاء، ونهاية في الإصابة واطراد الأحكام. فمن تشريع خالدة، وتهذيب بارع وتعليم جامع، وأدب بالغ، وإرشاد شامل، وقصص واعظ، ومثل سائر، وحكمة بالغة، ووعد ووعيد، وإخبار بمغيب إلى غير ذلك من الأغراض والمقاصد، وقد كان فحول البلاغة لا يبرز أحدهم إلا في فن واحد من أنواع القول. فمن يبرع في الخطابة لا ينبغ في الشعر، ومن يحسن الرجز لا يجيد القصيد، ومن يستعظم منه الفخر لا يستعذب منه النسيب، ولأمر ما ضربوا المثل بامرئ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب، والنابغة إذا رهب.
ثانياً: من جهة ألفاظه وأساليبه. فلا تجد منه إلا عذوبة في اللفظ، ودمائه في الأساليب، وتجاذبا في التراكيب، وليس فيها وحشي متنافر ولا سوق مبتذل، ولا تعبير عويص، ولا فواصل مستعملة على شيوع ذلك في كلام المفلقين، وأهل الحيطة المتروين حتى إنك لترى الجملة المقتبسة منه في كلام أفصح الفصحاء منهم تكسبه جمالا، وتشمله نورا، وتكسوه روعة وجلالا، إلى إجمال في خطاب الخاصة، وتفصيل في إفهام العامة، وتكنية العربي وتصريح للأعجمي، وغير هذا مما يقصر عن إحصائه الإلمام، ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام.
ثالثاً: من جهة معانيه، فإنك تجدها من غير معين العرب الذي منه يستقون لا طراد صدقها وقرب تناولها واطمئنان النفوس إليها، وابتكارها البديع على غير مثال معهود من حجج باهرة، وبراهين قاطعة، وأحكام مسلمة، وتشبيهات رائعة على نماذج وتواصل، وبراءة من التقاطع والتدابر، وهو في جملته نزهة النفوس، وشفاء الصدور. وهو الكتاب الخالدة الذي لا تبديل لكلماته، ولا ناسخ لأحكامه ولا ناقض لحكمه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) 9 من سورة الحجر.
(جمع القرآن وكتابته)
نزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجما على حسب الوقائع ومقتضيات الأحوال في بضع وعشرين سنة، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر كتاب وحيه بكتابة ما ينزل فكانوا يكتبونه بين يديه =