أما عن إيران أو مملكة الفرس، فقد قاسمت مملكة فارس الروم حكم العالم؛ كانت الأخلاق فيها منحطة والمحرمات موضع خلاف، حتى أن يزدجر الثاني الذي حكم أواسط القرن الخامس الميلادي تزوج بنته وقتلها، كما أن (بهرام جوينى) في القرن السادس كان متزوجا بأخته، فالإيرانيون اعتادوا الزواج بالمحرمات، وكانوا يعتبرون ذلك وسيلة تقرب إلى الله، وقد سبق ظهور دعوة (ماني) في القرن الثالث إلى تحريم النكاح استعجالا للفناء، ثم دعوة (مزدك) المولود في القرن الخامس إلى المساواة في المال والنساء، وجعل الناس شركاء فيهما حتى لا يعرف الرجل ولده ولا المولود أباه.
أما الأكاسرة ملوك فارس فكانوا يدعون أنه يجري فيهم دم إلهي؛ فنظر الفرس إليهم كآلهة يقدسونهم ويؤلهونهم فوق البشر؛ لذا كان بعض ملوكهم أطفالا لأن هذا الحق لا يخرج عنهم.
كما اعتقد الناس في البيوتات الروحية والأشراف الذين يرونهم فوق طينة العامة في نفوسهم وعقولهم؛ مما عمق نظام الطبقات في المجتمع، وجعل كل واحد لا يعمل إلا بالحرفة التي خلقه الله لها، ولا يشتري عقارا لأمير أو كبير، ولا يتولى الوضيع وظيفة، وقصة المغيرة بن شعبة مع الفرس توضح هذا1.
كما كان الفرس يمجدون قوميتهم الفارسية التي يرون لها فضلا على سائر الأجناس والأمم التي يزرونها، وينظرون إليها باحتقار وسخرية، ويرون أن الله قد خصهم - دون الأمم - بمواهب خاصة.
وكانوا في عبادتهم قديما يعبدون الله ويسجدون له، ثم عبدوا الشمس والقمر والنجوم، ثم جاءت (زرادشت) الذي دعا إلى التوحيد وأبطل الأصنام، وقال: إن نور الله يسطع في كل ما يشرق ويلتهب في الكون، وأمر بالاتجاه إلى الشمس والنار ساعة الصلاة؛ لأن النور رمز إلى الإله، ثم مجدوا النار إلى أن عبدوها وبنوا لها المعابد والهياكل، وانتهت كل عقيدة وديانة إلى عبادة النار2.
ولا تذكر كتب تاريخ التربية نظريةً تربوية مميزة للفرس، ولكن تلك المعتقدات والعادات هي التي كانت تحدد فلسفتهم التربوية.