الأنبياء، وفقدان الأديان لروحها وتعاليمها؛ لكثرة ما لحق بها من تحريفات وما لحق الأمم من فوضى وانحلال، وطبيعي أن ديانة كهذه لا تستطيع، بل ليست من طبيعتها أن تقدم نظرية متكاملة في التربية؛ لأنها لم تأت بمنهج كامل للحياة كالإسلام.
أما اليهود فكانت التربية عندهم من واجبات الأسرة باعتبارها قوام حياة المجتمع اليهودي، وظلت على هذه الحالة في اعتمادها على الأسرة وعلى التعليم الخلقي والديني والقومي (كشعب الله المختار) ، وقد أنشأوا المدارس بعد ظهور المسيحية ليتعلم أطفالهم القراءة والكتابة والتاريخ والهندسة والفلك، (وكان الإسرائيليون الأوائل يجهلون معنى لأي نظام اجتماعي سوى الأسرة، ولا يتخذون رئيسا سوى الإله، وكان على أطفالهم أن يتربوا على أن يكونوا مخلصين لـ (يهود) .
وكان تعليمهم يتم عن طريق المثال الصالح القدوة، وكانوا يتعلمون القواعد الأخلاقية والمعتقدات الدينية الخاصة بهم، أما تعليم القراءة والكتابة فكانت مقصورة على الفتيان، في حين تتعلم الفتيات الغزل والحياكة وتهيئة الطعام ورعاية شئون المنزل والغناء والرقص) 1.
أما في القرنين السابقين للإسلام فقد كان اليهود أمة في أوربا وآسيا وإفريقيا، وكانوا أغنى أمم الأرض مادة في الدين، إلا أنهم لم يكونوا من عوامل الحضارة والسياسة أو الدين المؤثرة في غيرهم؛ إذ قضي عليهم أن يتحكم غيرهم فيهم وكانوا عرضة للاضطهاد والاستبداد والنفي، وأورثهم تاريخهم الخاص - تاريخ العبودية والاضطهاد والإذلال والجشع وشهوة المال والربا - أورثهم نفسية غريبة وخصائص لا توجد في أمة أخرى، منها الخنوع عند الضعف والبطش وسوء السيرة عند الغلبة، والختل والنفاق في عامة الأحوال، والقسوة والأثرة وأكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله، وقد وصف القرآن حالهم في القرنين السادس والسابع وما وصلوا إليه من تدهور خلقي وانحطاط نفسي وفساد اجتماعي، عزلوا بذلك عن قيادة العالم.
وقد تجددت حوادث في أوائل القرن السابع بينهم وبين المسيحيين بغضتهم إليهم، وحدثت بينهما حروب طويلة وقتل وقسوة، كما فصل ذلك المقريزي في الجزء الرابع من كتابه؛ بما يدل على استهانة الفريقين بالدم الإنساني وتحين الفرص في النكاية بالعدو وعدم مراعاة الحدود في ذلك، مما يبعدهم جميعا بأخلاقهم هذه من قيادة البشرية وأداء رسالة الحق والعدل والسلام وإسعاد البشرية في ظلها2.