وقد صحب تطور المفاهيم التربوية ظهور المدارس التربوية، كمدرسة الحديث والفقه وعلم الأصول والكلام والتصوف وغيرها.
وقد تحددت المفاهيم أول الأمر بالالتزام بنصوص الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة.
أما في القرن الرابع الهجري فقد حدث الاختلاف في الرأي بين الفقهاء والمحدثين؛ في حين رأى المحدثون الاكتفاء بالنظر في تراث عصر النبوة والصحابة بينما رأى الفقهاء اعتماد ما تركه الأئمة في مجال الرأي واتباع منهجهم في البحث والدراسة؛ إذ إن المحدثين اعتبروا التمسك بتراث الأئمة تقليدا وتحرجوا من اتباعهم، كما استنكروا ظهور المذاهب واشتغال المؤرخين بالتاريخ دون الحديث.
كما اختلفوا في طرق البحث والتحصيل العلمي؛ فبينما يشترط المحدثون الرحلة والإسناد لم يشترط ذلك جماعة من الفقهاء، زيادة على اعتبارهم أن جهود الفقهاء قامت على جهود المحدثين.
وهذه الانتقادات أثرت في مفاهيم الفقهاء الذين استنكروا التقليد مع المحدثين وأباحوه للعامة؛ لأنهم لابد من أن يقلدوا علماءهم.
وكان من نتائج ظهور هذه المدارس ظهور رجال اتضحت مفاهيمهم التربوية وتبلورت نظريات التربية الإسلامية فيما كتبوا، وسنعرض لجهودهم وإضافاتهم وآرائهم عندما نتحدث عن جهود رجال التربية الإسلامية.
أما القرن الخامس فقد تبلورت نظريته في التربية على يد علماء الأشاعرة - الماوردي والخطيب البغدادي وأبو حامد الغزالي - وساعدهم على ذلك ظهور التقليد ومعارضة الاجتهاد واتهام من يعمل عقله بالميل للمبتدعة ومشايعة الاعتزال، وكان الحنابلة على رأس هذا الاتجاه المتحرج، ومعهم عدد من رجال الفقه والحديث.
وقد أدى هذا الاتجاه إلى انحسار التخصصات في أطرها المذهبية والتراجع عن بعض المبادئ التربوية، مثل الاستعدادات والميول للمتعلمين، كما أصاب الضعف محتوى المنهاج وأساليب التربية والتعليم التي كانت سائدة، مثل طرق الأسئلة والإملاء، وطريقة السماع.
كما تأثرت علاقات المذاهب الفكرية؛ إذ حل التعصب مكان التسامح، وأوقع كل فريق بالآخر فاضطهد العلماء وحدثت الفتن، وظهر خطر الإسماعيليين الذين أنشأوا الجامع الأزهر ليكون مركزا لنشر الدعوة الشيعية، إلا أن السلاجقة قد تحالفوا مع مذاهب السنة في مواجهة الخطر الإسماعيلي في ميدان العقيدة والفكر، (وأن يختاروا من هذه المذاهب من يستطيع قيادة المعركة الفكرية والإشراف على مؤسسات التعليم، ولم يكن هناك من يفوق الأشاعرة في تلك المهمة، والواقع أن استيلاء السلاجقة على السلطة في بغداد في منتصف القرن الخامس الهجري قد كان بداية لانتصار أهل السنة على الشيعيين، واتخذوا العلم وسيلة لمحاربة أفكار التشيع؛ إذ إن الناس إذا تعلموا الدين الحقيقي فرقوا بين الحق والباطل وحرروا عقولهم من أوهام المضللين؛ فأنشأ (نظام الملك) مدرسة عرفت (بالمدرسة النظامية) ، وكانت نقطة الانطلاق في الاتجاه لبناء مثل هذه المدرسة حتى عند من جاءوا بعد السلاجقة؛ فقد