يشجع المسلمون تعلم الصبيان في المساجد لأن الصبيان لا يحافظون على حرمة المسجد ونظافته، ومع ذلك كانت الحلقات الدراسية في أركان المساجد.
وقد وضعوا أسسا للتعلم: أهمها ما نسميه - بالمفهوم الحديث 0 استمرارية التعليم والحض على طلبه والاستزادة منه، ومن ذلك ما رواه سعيد بن المسيب عن عبد الله عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"من جاء أجله وهو يطلب علما ليحيي به الإسلام لم تفضله النبيون إلا بدرجة" 1، وسئل عمرو بن العلاء: حتى متى يحسن المرء أن يتعلم؟ فأجاب: ما دام تحسن به الحياة.
ومما يدل على أن التعليم الأول كان في الكتاب ثم ينتقل الطالب إلى المسجد ما روي عن الشافعي قال: (كنت يتيما في حجر أمي فدفعتني في الكتاب، ولم يكن عندها ما تعطي المعلم فكان قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء) 2.
وقد فرقوا بين العلم والتعلم باعتبار التعلم (نشاطا عقليا يمارس فيه الإنسان نوعا معينا من الخبرة الجديدة التي لم يسبق أن مرت في خبرته السابقة) 3، وأن التعلم عملية لا تلاحظ مباشرة في المتعلم، إنما يستدل عليها من آثارها ونتائجها في شخص المتعلم وسلوكه وأفكاره؛ ولذلك كانوا يقولون: إنما العلم بالتعلم.
وكانوا يرون التنوع والمرتبة والتدرج في طلب العلم؛ فقد روي عن ابن خالد الوالي قوله: كنا نجالس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيتناشدون الأشعار ويتذاكرون أيامهم في الجاهلية43. وروي عن يونس بن يزيد قوله عن ابن شهاب: (يا يونس لا تكابر العلم فإن العلم أودية، ولا تأخذ العلم جملة فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي) 4.
وقد اتخذوا أساليب مختلفة في التعليم ومراعاة الفروق الفردية والجوانب النفسية في التعليم.
أما في العصر الأموي فقد تطور المنهج التربوي لعوامل عدة:
أوّلها: اهتمام الخلفاء بالنواحي العلمية؛ فقد عرف عن معاوية استدعاؤه في مجلسه للأدباء والعلماء؛ ليقرؤوا له تاريخ العرب وأيامهم، وتاريخ الفرس والروم وحكامهم ونظم إدارتهم.
أما العامل الثاني: فهو استمرار الاهتمام بالعلوم الدينية، وتفرق الصحابة في الأمصار حيث كونوا مدارس وتلاميذ ينقلون العلم عنهم من جيل التابعين وتابعيهم.