شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} 1.
فكانت هذه الآيات ومثيلاتها في القرآن بواعث على إعمال العقل والنظر في الكون والتأمل فيه، مما وجه إلى أهمية التعليم كوسيلة إلى المعرفة، وارتفع المستوى العقلي في ذلك المجتمع، وزادت الثقافة والمعرفة من القرآن، مما زاد في نفوسهم حب العلم والتطلع إليه.
يقول ابن سعد في طبقاته - عن مسروق من التابعين -: (شاممت أصحاب رسول الله فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: إلى عمر وعلي وعبد الله ومعاذ وأبي الدرداء وزيد بن ثابت) .
وهؤلاء يمثلون بعض رجال الطبقة الأولى في العلم، ومع ذلك نجد بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نوعا من التخصص في العلوم؛ فعبد الله بن عمر كان من أوثق رواة الحديث وأكثرهم دقة وتحريا لألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما لم يكن والده - على قرب صلته من الرسول صلى الله عليه وسلم - كذلك؛ إذ كان ثاقب الفكر بعيد النظر في المشكلات الكبيرة، خاصة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام خلافته، أما عبد الله بن عباس فكان رجلا متعدد المعارف واسع الثقافة؛ فهو مفسر ومحدث وعالم بأشعار العرب وأيامها والأنساب والفرائض والمغازي، كما كان مطلعا على التوراة والإنجيل، أما علي بن أبي طالب فقد عرف بالحكم والأشعار والخطب والأدعية ورواية الحديث وحسن القضاء وأسباب النزول.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهمية العلم والتعليم في تغيير سلوك القبائل المعتنقة للإسلام؛ فقد كان يرسل من يعلمهم؛ فقد أرسل إلى اليمن والبحرين ومكة بعد فتحها، والمدينة قبل الهجرة، وتبعه في ذلك خلفاؤه.
وكان لانتشار الصحابة في الأمصار الإسلامية أكبر الأثر في ازدهار الحركة العلمية، وتكوين مدارس بها، وتخريج جماعات نبغت علميا من التابعين، من أمثال سعيد بن المسيب وشريح وعلقمة ومسروق.
ولم يقتصر الأمر على العرب، بل نبغ كثير من الموالي وأبنائهم ممن وحد الإسلام بينهم وبين العرب، من أمثال نافع مولى عبد الله بن عمر وراوي أحاديثه، وسليمان بن يسار الذي كان والده مولى لميمونة أم المؤمنين، وربيعة الرأي شيخ الإمام مالك، أما في مكة فعكرمة مولى عبد الله بن عباس وراوي أحاديثه، ومجاهد بن جبير مولى بني مخزوم، وعطاء بن رباح مولى بني فهر، وغيرهم كثير، وعرف في مصر يزيد بن حبيب مولى الأزد وأستاذ الليث بن سعد، وكان مفتي أهل مصر، وهو من شمالي السودان من (دنقلا) ، وفي الشام مكحول بن عبد الله، أستاذ الأوزاعي، وفي الكوفة سعيد بن جبير، وفي البصرة محمد بن سيرين، والتي كانت أمه مولاة أبي بكر، والحسن بن يسار مولى زيد بن