قرأت كتاب ابن قيم الجوزية "تحفة المودود بأحكام المولود" ووجدت أنه يورد آراء علماء الإغريق في هذا الكتاب الذي يحمل عنوانا لا نتصور معه وجود مكان فيه لمثل هذه الآراء.
وعلى هذا تواجه الكتابة عن التربية الإسلامية مشكلة التمييز فيما يورده علماء المسلمين من آراء بين ما هو أصيل ودخيل. هناك بالطبع أشياء يمكن لنا تحديدها ومعرفتها. فنحن نعرف مثلا أن كتابات كل من ابن سحنون عالم القرن الثالث الهجري والقابسي عالم القرن الرابع الهجري والماوردي، عن التربية والتعليم هي كتابات إسلامية أصيلة خالصة. وهم من أوائل من كتبوا عن التربية الإسلامية كتابة متخصصة. ونعلم أيضا أن القرن الرابع الهجري يعتبر نقطة تحول واضحة بالنسبة للفكر الإسلامي عندما بدأت روافد الفكر الإغريقي تأخذ طريقها مع حركة الترجمة التي شهدت العصر العباسي الزاهر، ولهذا نجد أن الكتابات التي تلت ابن سحنون والقابسي بدأت تختلط بالعناصر الإغريقية، وهذا يصدق على ابن مسكويه عالم القرن الرابع الهجري والغزالي عالم القرن الخامس الهجري ومن بعدها.
إن إحدى المشكلات التي تثيرها الكتابة عن التربية الإسلامية في محاولة تتبع تطور الفكر التربوي في الإسلامي تتمثل في جانبين رئيسيين:
الجانب الأول: تحديد الآراء المتميزة لكل عالم إسلامي على حدة:
فمن المعروف أن الخلف ينقل عادة من السلف. فالقابسي نقل عن ابن سحنون، والغزالي نقل عن مسكويه، وابن خلدون والطهطاوي نقلا عن سابقيهما وهكذا. وقد يكون لكل منهما اجتهاده الخاص إلى جانب الآراء الأخرى التي نقلها عن غيره. فليس كل ما يرد على لسان عالم من العلماء يمثل آراءه هو، وإنما قد يكون كثير منها قد تردد لدى سابقيه ونقله عنهم. إننا نجد رسائل علمية للماجستير أو الدكتوراه تبحث في الآراء التربوية لعالم من علماء المسلمين ولا تنتبه إلى هذه النقطة وترد الآراء التي يذكرها هذا العالم على لسانه في مؤلفاته على أنها آراؤه هو بصرف النظر عن مدى التحقق من كون هذه الآراء هي له حقيقة أم أنه مجرد ناقل لها عمن سبقه. مثلا يشار إلى عبارة "الإنسان