ومن المعروف أن الأقوام الكثيرة التي دخلت الإسلام حملت معها بالطبع عاداتها وتقاليدها وعقائدها وتاريخها. فاليهود عملوا على ترويج أخبارهم ونشرها بين المسلمين فيما عرف فيما بعد بالإسرائيليات. والنصارى ساروا على نفس النهج، وكذلك الفرس الذين روجوا من الأخبار ما لا يخلو من العصبية والأفكار الغريبة عن الإسلام. ويعتبر كعب بن مانع -المشهور باسم كعب الأحبار المتوفى 34هـ وهو يهودي يمني أسلم في خلافة أبي بكر- أكبر مروج للإسرائيليات التي تفشت في كثير من الكتب الإسلامية. وكان من الذكاء وسعة الاطلاع بحيث استطاع أن يؤثر في عدد غير قليل من علماء المسلمين الأولين منهم ابن عباس وأبو هريرة. وكانت فيه جرأة غريبة لدرجة أنه كما يقول ابن سعد في طبقاته الكبرى كان يجلس في المسجد وأمامه أسفار التوراة غير متحرج من ذلك "مصطفى الشكعة ص32" ومع أن كثيرين من علماء المسلمين قد أخذ رواياته بكثير من الحيطة والتحفظ إلا أن بعضهم نقل عنه مثل الكسائي الذي نقل عنه قصص الأنبياء.

إن مثل هذه الأفكار الغريبة سواء كان دخول بعضها مغلفا أو مكشوفا أصبح جزءا من التراث ويحتاج منا إلى جهود جادة لغربلة هذه الشوائب وتنقيتها. وهي عملية ليست سهلة كما يبدو. وإنما تحتاج إلى تضافر جهود مخلصة واعية قادرة. وبدون ذلك يظل طريق الكتابة عن التربية الإسلامية محوطا بالأشواك.

يضاف إلى ذلك أيضا عناصر الفكر اليوناني التي شقت طريقها بسلطان إلى الفكر الإسلامي من خلال التراجم العربية لفلسفة الإغريق وقيام الفلاسفة المسلمين أنفسهم بترويج هذه الآراء على ألسنتهم بعضها أشعار نرددها دون وعي أحيانا. فنحن قد نردد قصيدة ابن سينا في النفس والتي يقول فيها: "هبطت إليك من المحل الأرفع" دون أن نعرف أنها ترديد لأساطير أفلاطون. وهذا أبو حامد الغزالي حجة الإسلام وأكثر المدافعين فيه يردد على لسانه آراء أفلاطون وأرسطو وغيرهما. ومن قبله ابن مسكويه في كتابه "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق" نجده متأثرا بفلاسفة الإغريق. بل إنني تعجبت جدا عندما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015