وأما مكان العقل من البدن، فهل هو متعلق بالدماغ، أم متعلق بالقلب؟ فإننا نجد أن الدلائل القرآنية والأحاديث النبوية تدل على أن مكانه القلب، قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} 1 فجعل عقل الشيء وتدبره في القلب، وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} 2. قال المفسرون: أي عقل، وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره3. وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" 4.
وخُص القلب بذلك لأنه أمير البدن، وسائر الأعضاء حجبة له، توصل إليه من الأخبار ما لم يكن يأخذه بنفسه، فالعين والأُذن وحاسة الشم، وحاسة اللمس، توصل إليه ما لا يدركه إلا بها، وبصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد، وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه5.
وقال الخطيب البغدادي: "وأما العقل فهو ضرب من العلوم الضرورية، محله القلب"6. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه غريزة، والحكمة فطنة،