وقيل إنه ضرب من العلوم الضرورية، وكلاهما صحيح، فإن العقل في القلب مثل البصر في العين1 وقيل لابن عباس - رضي الله عنهما - بماذا نلت العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول2. فدل ذلك على أهمية القلب وعلى أنه هو الذي يعقل به الإنسان، وهذا إذا ما أُريد بالقلب المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن، وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقاً، فإن قلب الشيء باطنه، كقلب الحنطة واللوزة، فإذا أُريد بالقلب هذا، فالعقل متعلق بدماغه أيضاً، ولهذا قيل: إن العقل في الدماغ، كما يقوله كثير من الأطباء، ونقل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه: إن أصل العقل في القلب، فإذا كمل انتهى إلى الدماغ3.
والعقل يُراد به العلم والعمل كما مر معنا، وأصلهما من الإرادة، والإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد، فلا بد أن يكون القلب متصوراً، ويكون منه هذا وهذا، ويبتدئ ذلك من الدماغ، وآثاره صاعدة للدماغ، وكلا القولين له وجهة صحيحة4.
ومن ذلك يمكن القول بأن هناك ارتباطاً بين الدماغ والقلب في إدراك الأشياء وعقلها، فالدماغ يُدرك الأشياء بالحواس، أو بالتفكير فيها، ثم يعقلها القلب فيرفضها أو يقبلها، فترجع للدماغ مرة أخرى محملة بالقرار من القلب، ويرسل الإشارة اللازمة بسلوك معين، أو بقرار معين، بحسب ما جاء من القلب،