قلت: فيه نظر؛ لأن المراد بالسلطان هنا الإمام الأعظم خليفة الله، وقد أطلق الفقهاء ذلك عليه كما بيناه. وفي حكمه بالسلطنة والفتيا والقضاء المذكور في القواعد للسبكي كما سيأتي اهـ منه.
وقال الإمام فخر المالكية، أبو العباس القرافي في الفروق في الفرق السادس والثلاثين، بين قاعدة تصرفه صلى الله عليه وسلم بالقضاء، وبين قاعدة تصرفه بالفتوى، وهي التبليغ وبين قاعدة تصرفه بالإمامة: إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم والقاضي الأحكم والمفتي الأعلم، فهو صلى الله عليه وسلم إمام الأيمة وقاضي القضاة وعالم العلماء، فجميع المناصب الدينية فوّضها الله إليه في رسالته، وهو أعظم من كل من تولّى منصبا منها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة، فما من منصب ديني إلا وهو متصف به في أعلى رتبة، غير أن غالب تصرفه صلى الله عليه وسلم بالتبليغ والفتوى إجماعا.
ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء، ومنها ما يجمع الناس على أنه بالإمامة، ومنها ما يختلف العلماء فيه لتردده بين رتبتين فصاعدا، فمنهم من تغلب عليه رتبته ومنهم من تغلب عليه أخرى، ثم تصرفاته عليه السلام بهذه الأوصاف تختلف آثارها في الشريعة.
اهـ كلامه الجليل فقف عليه ص 346. من الجزء الأول.
وقد عدّ القاضي عياض في الشفا من أسمائه صلى الله عليه وسلم السلطان. قال الشهاب الخفاجي في شرحها: وله معان منها البرهان والملك والنبوة والغلبة، ويعم إرادة كل منها هنا وسمّي صلى الله عليه وسلم بهذا في كتاب شعيب وبعض الكتب القديمة اهـ وفي همزية البوصيري في حق الصحابة:
وبأصحابك الذين هم بع ... ك فينا الهداة والأوصياء
أحسنوا بعدك الخلافة في الد ... ين وكل لما تولى إزاء
أغنياء نزاهة فقراء ... علماء أيمة أمراء
أرخصوا في الدنا نفوس ملوك ... حاربوها أشلاءها أشلاء
قال الشمس ابن عبد الرحمن في شرحه على قوله: أمراء تولوا الإمارة وأمور المسلمين، في حياته وبعد وفاته عليه السلام. وقاموا فيها بحق الله كما يجب وينبغي، فهو على أقوم موازين العدل وأحقها.
وقال الحافظ في الفتح على حديث الصحيح «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله ما لا فسلطه على هلكته في الحق وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها» (?) . في الحديث الترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه، وقوي على إعمال الحق، ووجد له أعوانا لما فيه الأمر بالمعروف ونصر المظلوم، وأداء الحق لمستحقه، وكف يد الظالم، والإصلاح