وتقول العرب "أصبحت كمن لم يخلق" تريد: كمن قد مات، فتقع "من" على هذا المعنى على العاقل، فإن أردت بمن لم يخلق المعدوم، فذهب الفراء إلى جواز ذلك، وذهب بشر المريسي إلى منع ذلك، قال بشر: "من": الناس، ومن لم يخلق ليس بشيء، فبأي شيء شبه؟ فأجاب الفراء عن ذلك بأن العرب توقع "ما" على المعدوم، فتقول "ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن"، فكما جاز ذلك في "ما" فكذلك يجوز في "من".
قال بعض أصحابنا: والصحيح ما ذهب إليه الفراء، ولا تخرج "من" بذلك عن معناها، بل تكون واقعة على عاقل موجود أو معدوم متوهم، فإن المعدوم المتوهم تجعله العرب شيئًا، قال عمر بن أبي ربيعة:
وهبها كشيء لم يكن أو كنازح به الدار، أو من غيبته المقابر
فأوقع شيئًا على ما لم يكن، وهو المعدوم. ومثل ذلك قول بشار:
وأخفت أهل الشرك، حتى إنه لتخافك النطف التي لم تخلق
فأوقع النطف على ما لم يخلق.