جرير:
/يا حبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كانا
قال له الفرزدق: وإن كانوا قرودًا؟ فسوغ أن تقع "من" على ما لا يعقل لأجل الاختلاط، فأجابه جرير بأن قال: إنما قلت "من"، ولم أقل "ما". ووجه انفصال جرير أن "من" وإن وقعت على ما لا يعقل في حال اختلاطه بمن يعقل، فإنها فيمن يعقل أظهر. وقال تعالى {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} و {مَن لاَّ يَخْلُقُ} شمل المعبود من دون الله عاقلًا وغير عاقل. ومثله ما ذكر الفراء عن بعض العرب "اشتبه على الراكب وجمله، فلا أدري من ذا من ذا".
وقوله أو اقتران مثاله {ومِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}، وقعت هنا على ما لا يعقل لاختلاطه بمن يعقل فيما فصل بـ"من" في قوله {واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ}؛ ألا ترى أن الدابة تقع على كل ما يدب من عاقل أو غير عاقل، فغلب من يعقل على ما لا يعقل، وعومل الجميع معاملة من يعقل، ففصل بـ"من" لذلك. ومن كلام العرب "خلق الله الخلق، فمنهم من يتكلم، ومنهم من لا يتكلم"، فأوقع "من" على ما لا يتكلم، وهو غير عاقل، لاقترانه بالعاقل في المفصل بـ"من" وهو الخلق، لأن الخلق يقع على كل مخلوق من عاقل وغير عاقل.