فاستخرجت فص هذا الكتاب مما أودعه في الشرح إلى حيث انتهى، وجمعت على باقي الكتاب نسخًا إليها في الصحة المنتهى؛ لأنها طرزت بخطه، وحررت بين يديه بضبطه، فثقفته حتى استقام مناده، وظفر بمطلوبه منه مرتاده. وأخذت في إقراء هذا/ الكتاب، أنبه حامله، وأنوه خامله، وأفتح مقفله، وأوضح مشكله، وأحيي منه ما كان مواتًا، وأجدد ما عاد رفاتًا.
وكان المانع من وضع كتاب يتضمن شرح جميعه وتكميله، واستدراك ما أغفل من الأحكام وتذييله، ومناقشته فيما حرر، والانتقاد لما فيه قرر، ما كان قد تقسم الخاطر من الاشتغال بالاكتساب، المزري بذوي المعارف والأحساب، وأنى يكمل انتحال، لمن توالى عليه أمحال، أو يتحصل إقبال، لمن تقسم منه البال. ومع ذلك فطالما سألني سائلون من أهل مصر والشام في شرح باقيه وتكميله، وانتقاده وتذييله، ليكون ذلك عجالة يحظى بها المستوفز، ويرضى ببلوغ موعودها المستنجز، وتجلو عرائسه في منصة التوضيح، وتبرز نفائسه من التلويح والتصريح. ومما خوطبت به من دمشق المحروسة كلمة، أولها:
تبدي، فخلنا وجهه فلق الصبح يلوح لنا من حالك الشعر في جنح
ومن آخرها:
إليك -أبا حيان- مني تحية يفوق شذاها مسك دارين في النفح
بدأت بأمر تمم الله قصده وكمله باليمن منه وبالنجح
وسهلت تسهيل الفوائد محسنًا فكن شارحًا صدري بتكملة الشرح