وملتمسي آثاره، ما أشرقت بالبدر الخضراء، وتشوقت للقطر الغبراء.
وبعد فإن كتاب (تسهيل الفوائد) في النحو لبلدينا أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني مقيم دمشق -رحمه الله- أبدع كتاب في فنه أُلِّف، وأجمع موضوع في الأحكام النحوية صنف، فهو -كما قال مصنفه فيه- جدير بأن يلبي دعوته الألباء، ويجتنب منابذته النجباء. ولما كان مفرط الإيجاز، غريب الاصطلاح، حاشدًا لنوادر المسائل، عرض فيه من الاستعجام، ما أدى إلى التأخر عنه والإحجام، فنبذه الناس بالعراء، واطَّرحوه اطراح واصل للراء، وأصبح حاليه عطلًا، ومعلمه غفلًا، وأنواره لا تتبلج، وأزهاره لا تتأرج، ولاستعصائه قلما قرأه أحد على مؤلفه، ولا تجاسر على إقرائه نحوي بعد موت مصنفه.
وكان -رحمه الله- كثيرًا ما يعنى بتحريره، ويولع بتهذيبه وتغييره، فيزيد وينقص، وينقح ويلخص، فنسخت من هذا الكتاب نسخ تنافر مبناها، واختلف لفظها ومعناها، إلى أن عرض له -رحمه الله- أن يشرحه، ويفسره ويوضحه، فغير أكثر ما شرحه، ونظر إليه بعين العناية وتصفحه، وانتهى في شرحه إلى باب "مصادر غير الثلاثي"، وذلك أشف من نصفه، وعاقه عن إكماله محتوم حتفه.