وما ذهب إليه المصنف من أن ما ذكره النحويون من أن الباء تكون للاستعانة مدرج في باء السببية قول انفرد به؛ وأصحابنا فرقوا بين باء السببية وباء الاستعانة، وجعلوا الاستعانة من المعاني الستة التي انجرت مع الإلصاق، فقالوا في باء السبب ما تقدم من أنها التي تدخل على سبب الفعل، وقالوا في باء الاستعانة: إنها التي تدخل على الاسم المتوسط بين الفعل ومفعوله الذي هو آلة، وذلك: كتبت الكتاب بالقلم، وعمل النجار الباب بالقدوم، وبريت القلم بالسكين، وخضت الماء برجلي، ولا يمكن أن يقال إن سبب كتابة الكتاب هو القلم، ولا سبب عمل النجار الباب هو القدوم، ولا سبب بري القلم هو السكين، ولا سبب /خوض الماء هو الرجل، بل السبب غير هذا، فجعل هذا سبباً ليس بواضح. ومثل أصحابنا باء السبب بقولك: مات الرجل بالغيظ وبالجوع، وحججت بتوفيق الله، وأصبت الغرض بفلان.
وقوله وللتعليل قال المصنف في الشرح: "هي التي تحسن غالباً في موضع اللام، نحو قوله تعالى: (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ)، و (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا)، و (إِنَّ الْمَلَأَ يَاتَمِرُونَ بِكَ)، وكقول الشاعر:
ولكن الرزية فقد قرم ... يموت بموته بشر كثير
واحترزت بقولي غالباً من قول العرب: غضبت لفلان، إذا غضبت من أجله وهو حي، وغضبت به، إذا غضبت من أجله وهو ميت" انتهى.