قلت جئت من قبل زيد كان مجيئك مبتدأ من الزمان المتعقبه زمان مجيء زيد، فإذا قلت جئت قبل زيد كان مجيئك سابقاً على مجيء زيد، واحتمل أن يكون تعقبه زمان مجيء زيد، أو كان بينهما مهلة كثيرة أو قليلة؛ لأنه يدل على مطلق السبق. وإذا قلت جئت من بعد عمرو ابتدأ مجيئك من الزمان المتعقب زمان مجيء عمرو، وإذا قلت جئت بعد عمرو احتمل أن يتعقب وأن يتأخر بمهلة كثيرة أو قليلة، فـ"من" لابتداء الغاية في القبلية والبعدية، فلو جاء شخص ظهراً وآخر عصراً حسن فيه قبل وبعد، ولم يحسن من قبل ولا من بعد؛ إذ لا اعتقاب في الزمانين.
وقوله ولا يمتنع تعريفه ولا خلوه من نفي أو شبهه وفاقاً للأخفش وافق المصنف الأخفش، وذكر جملة ما استدل به لهذا المذهب في شرحه نثراً ونظماً، فمن ذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)، (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ)، (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ)، (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)، (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، وفي لابخاري من كلام عائشة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي جالساً، فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته نحواً من كذا)، هكذا ضبط بخط من يعتمد. أي: ولقد جاءك نبأ، ويحلون أساور، ويكفر عنكم سيئاتكم، يغفر لكم ذنوبكم، تجري تحتها، فإذا بقي قراءته نحواً من كذا. وقال عمر بن أبي ربيعة: