ومن أثبت لـ"من" هذا المعنى - وهم الكوفيون - استدل عليه بقول الشاعر:
أأزمعت من آل ليلى ابتكارا ... وشطت على ذي نوى أن تزارا
المعنى: أأزمعت إلى آل ليلى. وبقول العرب: شممت الريحان من الطريق، ورأيت الهلال من خلل السحاب، فـ"من" لانتهاء الغاية؛ لأن الشم لم يبتدئ من الطريق، ولا الرؤية ابتدأت من خلل السحاب، إنما ابتدأا من غيرهما، وانتهيا إليهما. ويبين ذلك أنك/ تقول: شممت الريحان من داري من الطريق، ورأيت الهلال من داري من خلل السحاب، فـ"من" الأولى للابتداء، والثانية للانتهاء.
وقد رد أصحابنا هذا المعنى، وقالوا: لا تكون لانتهاء الغاية، فأما تأويل المصنف على س، وأنه أشار إلى أنها للانتهاء - فليس س مصحراً بأنها للانتهاء، إنما قال: "جعلته غاية رؤيتك"، ومعناه أنه محل لابتداء الفعل وانتهائه معاً. وكذلك: أخذته من زيد، زيد أيضاً هو محل ابتداء الأخذ وانتهائه معاً. فتحصل من هذا أن من تكون في أكثر الموضع لابتداء الغاية فقط، وفي بعض المواضع لابتداء الغاية وانتهائها معاً.
وأما البيت فخرج على أن المعنى: أأزمعت من أجل آل ليلى ابتكاراً؟ لأنه إذا أزمع ابتكاراً إليهم فقد أزمعه من أجلبهم، وحذف المضاف لدلالة المعنى سائغ.
وأما قولهم: شممت الريحان من داري من الطريق، ورأيت الهلال من داري من خلل السحاب - فتأولوه على أن كلا منهما لابتداء الغاية، فتكون الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل، والثانية لابتداء الغاية في حق المفعول؛ ألا ترى أن ابتداء وقوع رؤية الهلال من الفاعل إنما كان في داره، وأن ابتداء وقوع الرؤية بالهلال إنما كان في خلل السحاب؛ لأن الرؤية إنما وقعت بالهلال وهو في خلل