السحاب. وكذلك أيضاً ابتداء وقوع الشم إنما كان من الدار، وابتداء وقوعه بالريحان إنما كان من الطريق؛ لأن الشم إنما تسلط على الريحان وهو في الطريق.
ونظير هذا ما جاء في بعض الأثر: (كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بالشام: الغوث الغوث)، وأبو عبيدة لم يكن في وقت كتبه بالشام، بل الذي كان بالشام عمر، فـ"بالشام" ظرف للفعل بالنظر إلى المفعول؛ لأن الكتب إلى عمر إنما كان وعمر بالشام.
وزعم بعض النحويين أن من الطريق، ومن خلل السحاب - من فيهما لابتداء الغاية، إلا أنه جعل العامل محذوفاً، وليس شممت، ولا رأيت، وتقديره: كائناً من الطريق، وظاهراً من خلل السحاب.
قال السهيلي: "ولا حجة في قولهم: شممت الريحان من الطريق، ورأيت الهلال من خلل السحاب؛ لأن معنى الكلام أن الريحان شم من الطريق حتى شممت رائحته، وأن الهلال لاح من خلل السحاب حتى نظرت إليه)) انتهى. فكأنه قال: ناما أو فائحاً من الطريق، ولائحاً من خلل السحاب.
ورد هذا التأويل بعض أصحابنا بأن المحذوف الذي يقوم المجرور مقامه إنما يكون مما يناسب معناه الحرف؛ و"من" الابتدائية لا يفهم منها الكون ولا الظهور، فلا ينبغي أن يجوز حذفهما منه.
وقوله وللاستعلاء قال المصنف في الشرح: "وقد جاء من بمعنى على في قوله تعالى: (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا)، كذا قال أبو الحسن الأخفش" انتهى. والأحسن ألا يضمن الحرف /معنى الحرف، ويضمن الفعل