ويبطل كون هذه للتبعيض أمران: أحدهما عدم صلاحية بعض في موضعها. والثاني صلاحية كون المجرور بها عاماً، كقولنا: الله أعظم من كل عظيم، وأرحم من كل رحيم. وإذا بطل كون المصاحبة أفعل التفضيل لابتداء الغاية وللتبعيض تعين كونها بمعنى المجاوزة كما سبق" انتهى.
وما رد به على س لا يلزم؛ لأن س لم يدع في نحو زيد أفضل من عمرو أنها للتبعيض فقط، إنما قال: "إنها لابتداء الغاية، ولا تخلو من التبعيض"، يعني حيث يمكن التبعيض. وتمثيله بقوله: هو أفضل من زيد، وقوله "فضله على بعض، ولم يعم" معناه: فضله على زيد، وهو بعض من الناس. وهذا قول صحيح، لا شك أن زيداً ليس بلفظ عام، وإنما هو بعض من عام.
وأما كونها لا تصلح مكان بعض فقريباً من كلام المصنف قول ابن عصفور، قال: "الصحيح عندي أن التبعيض ليس مفهوماً في أفعل من، وإنما فهم ذلك من جهة أنك إذا أدخلت من التي لابتداء الغاية/ على الموضع الذي ابتدأ منه التفضيل علم أنك لم ترد التعميم في التفضيل؛ وإنما أردت أن تذكر الموضع الذي ابتدأت منه التفضيل، وليست كذلك طريقة من في إفادتها التبعيض، وإنما طريقها أن تدخل على اسم ما تريد بعضه؛ ألا ترى أنك إذا قلت قبضت من الدراهم أفدت بذلك أنك قبضت بعض ما دخلت عليه من؛ وهو الدراهم، وليست كذلك في: زيد أفضل من عمرو، لأنك لم ترد بعض ما دخلت عليه من" انتهى كلام ابن عصفور.
ولم يرد س إلا أن ما دخلت عليه من ليس بعام، وأنك إذا أردت العموم حذفتها، فما دخلت عليه من بعض، لا أنها دلت على التبعيض فيما دخلت عليه، بل ما دخلت عليه هو البعض، فالتبعيض لفظ مشترك، يراد به أن ما دخلت عليه يكون بعضاً من عام، ويراد به أن ما دخلت عليه يكون عاماً، فتفيد تسليط العامل على بعضه.