أصله: عشرو دينارٍ، وانتصب الدينار ادخول النون. ومَن نَصب فقال أبوك أَوسَعُ دارًا لزم الدارَ النصبُ حين سدَّت مسدَّ المضاف إليه، ولو ظهرتْ مِن لم يكن في الدار إلا النصب؛ لأنه لا يضاف حرف إلى حرفين مفردين متباينين.
والفرق بين هذا والذي قبله أنَّ المنكور بعد أَفْعَلَ في ذا الباب لا يثنَّى كما لا يثنَّى المفسَّر، وهو في الباب الأول لا يمتنع من التثنية، فمن قال أبوك أَوسَعُ دارًا لا يجوز له أن يقول: أبوك أَوسَعُ دارَين، وأخوك أكبَرُ دارَين، والباب الأول يثنَّى فيه ما بعد أَفعَلَ، فيقال: أَخواك أَكمَلُ فارسَينِ، وعَمَّاك أنبَلُ عالمَينِ.
واتفق النحويون على إبطال الخفض في «أنت أَكرَمُ أبًا من غيرك» للعلة التي ذكرت، فإن لم تذكر «مِنْ» كان الكلام على قسمين: إن نويت «مِن» نصبت الأب، وإن لم تنو خُفض، فكلام العرب: أنت أَكرَمُ أَب، وأبًا، والله أصدَقُ قيلٍ وقيلاً. فإنْ قيلَ «أحْسَنُ قيلاً مِنَ المخلوق» كان محالاً خفضُ القِيل مع ظهور مِن.
والمنكور الذي يضاف أفعَلُ فيه الذي يوافق معنَى أَفْعَلَ ولا يكون جنسًا إذا أُريدَ نصبه كان حالاً للفاعل، فقيل: أبوك أَكمَلُ فارسًا، وأخوك أَكرَمُ إنسانًا، فتنصب فارسًا على الحال، ولا يُنصب إنسان هنا إلا على الحال؛ لأنه وصف الأخ، وما لنصب التفسير هنا وجه؛ إذ كان نعت المحدَّث عنه والتثنية مستعملة فيه، وما يثَّنى المفسر، وما ينبغي أن يغلط في قول العرب «هو أنظفُ ثوبين» غالط؛ لأنَّ ثوبين هنا بمنْزلة ثوب؛ إذ كان أهل الحزم لا يُعرَف لهم إلا لبس ثوبين، فجرى ذلك مجرى: هو أحسنُ نَعلَين، وأنظفُ خُفَّينِ؛ لأنَّ الخُفَّينِ في ذا المعنى كالار المفردة مما لا يُحَدُّ، هو مفسُّر، وما يثَّنى ويُحَدُّ فهو حال، وفي قول العرب كم مِن درهمٍ عندك وامتناعهم من أن يقولوا كم مِن دراهم عندك دلالةٌ على استحقاق المفسَّر التوحيد وما يُشَكُّ في أنَّ الذي تدخل عليه مِن في هذا المكان تمييز. انتهى ما لُخِّصَ من كلام ابن الأنباريّ