وقد تأوَّلَ بعض النحويين قول الكسائي «إنه لا موضع لها» على معنى أنها ليست مثل ما في قولك: ما عندك يُعجبني، وأنه لا يقع شيء في موضعها، فإنما أراد الإبهام، وهي عنده اسم، وقد تقدَّم ما حكيناه عن الفراء من جواز الفصل بين ما والفعل بكلِّ فعل يحتاج إلى اسم وفعل.
ثم رأيناه قد ناظرَ الكسائيَّ في جواز ذلك على جهة الإنكار، قال الفراء: «أجاز الكسائي: ما ظننتُ أَحْسَنَ زيدًا! فرأيته يَلزمه أن يقول: ما مررتُ أَحْسَنَ زيدًا! فكَرِهَ ذلك الكسائيُّ، وقال: (ما ليس باسم صحيح، إنما يدخل عليه ما يبطل عنه). واعتلَّ الكسائي أنه لا يدخل الخفض عليه، كما قالت العرب: ما ضربتُ ما خلا زيدًا، وما قام ما خلا زيدًا، ولا يجوز: ما مررتُ ما خلا زيدًا؛ لأنَّ المخفوض لا يفارِق، والمرفوع والمنصوب يفارقان» انتهى ما نقله الفراء.
وذلَّ هذا النقل على وجوه:
أحدها: أنَّ الفراء حكي عن الكسائي إجازة: /ما ظننتُ أَحْسَنَ زيدًا! وقد تقدَّم من قول الفراء جواز ذلك، فيحتمل أن يكون للفراء قولان: أحدهما الجواز، والآخر المنع. ويحتمل أنه لَمَّا ناظره الكسائيُّ في جواز ذلك، واعتلَّ له بما قالت العرب ــــ جوَّز الفراء ذلك، وكان قبلَ هذه المناظرة في حالة التوقف في إجازة هذه المسألة.
والثاني: قوله «إنما يدخل عليه ما يبطل عنه» أي: ما لا يعمل فيه، نحو كان وظننت، فدل ذلك على أنَّ ظننت ملغاة عن العمل نحو كان، فلا عمل لها في ما ولا في أَظْرَفَ، بخلاف ما حكى عن الكسائي أنه يجعل ظننتُ ناصبة في المعنى لـ «ما» وللفعل، فيكون له في ظننتُ إذا فصل بـ «ما» قولا: أحدهما أنها ملغاة، والثاني أنها مُعمَلة في ما وفي الفعل بعدها.