والثالث: أن يكون قول الفراء في جواز ذلك في كل فعل يحتاج إلي اسم وفعل ليس عامَّا، بل يعني به من باب كان، ولا يعني من باب كان وباب ظنَّ، ويفرق بين البابين بأنَّ باب كان إنما يزاد فيه الفعل خاليًا من مرفوعه دلالة على تقييد التعجب بحدث ذلك الفعل، وأمَّا: ما ظننتُ أَحْسَنَ زيدًا، وما أَظُنُّ أَحْسَنَ زيدًا ــــ فإنما فصل به وهو متعلق بمرفوعة، فلا يجوز، وسُمع ذلك في باب كان في كان وأمسى وأصبح، فجاز القياس عليها في أخواتها، ولم يُسمع في باب ظنَّ فامتنع، ولم يصح قياس باب ظنَّ على باب كان ــــ وإن اشتركا في النسخ للابتداء ـــ لتباين أحكامهما، ولا يجيز جمهور البصريين أن يفصل بين ما والفعل إلا بـ «كان» فقط.
وإذا وقعت كان بعد ما أَفْعَلَ بصيغة الماضي دلَّت على بيان الانقطاع، أو بصيغة يكون دّلَّت على الاستقبال، على الخلاف في جواز ذلك، ولا بُدَّ من «ما» المصدرية داخلة عليها، فتقول: ما أَحْسَنَ ما كان زيدٌ! وما أَحْسَنَ ما يكون زيدٌ! وما بعد «ما كان» و «ما يكون» يرتفع على الفاعلية، وأَوقَعتَ الحُسن عليه، وأنت تريد ذات زيدٍ تجوُّزًا، كما تقول: أَخْطَبُ ما يكونُ الأميرُ قائمًا، فـ «كان» هذه تامَّة.
وأجاز جماعة ــــ منهم المبرد ـــ أن تكون ناقصة، وينصب زيدًا، ويجعل ما بمعنى الذي، كما تقول: ما أَحْسَنَ الذي كان في الدار، أو يكون في الدار. ومَن منعَ وقوع ما على شخص مَن يعقل منعَ هذه المسألة، وجوَّزها فيما لا يتشخص.