ومن غريب الحكايات في هذه اللغة ما حدثني به بعض أدباء تونس ــ والعهدة عليه ــ أنَّ الفقيه المحدَّث أبا القاسم بن البراء كان يحرِّض شيخنا الأديب الحافظ المستبحر أبا الحسن حازم بن محمد بن حازم على أن يشتغل بالفقه، ويكفّ عن الأدب، فحضر حازم وجماعة عند المستنصر أبي عبد الله محمد ابن الأمير أبي زكرياء ملك إفريقية، وذكروا
قراءة ابن كثير (وكائن)، واستغربوها،
وقالوا: لم يجئ منها في كلام العرب إلا قول الشاعر: /
وكائنْ بالأَباطِحِ مِنْ صَديقٍ ... ..................................
فقال لهم حازم: قد جاء منها ما لا يُحصى. فطلبوا منه ذلك، فأنشدهم من هذه اللغة ألف بيت، فدفع له المستنصر ألف دينارٍ من الذهب، فجاء بها إلى ابن البراء، فقال له: هذه مسألة من الأدب، أخذت فيها ألف دينار، فأرنى أنت مسألة من الفقه حصل للمخبر بها ألف دينار؟ انتهى.
والذي أقوله إنَّ هذه المسألة كانت ـــ والله أعلم ـ مبَّيتة، طُولِع فيها دواوين العرب أيامَا كثيرة، على أنَّ حازمًا كان من الحفظ في غاية لا يشاركه فيه غيره من أدباء عصره.
وأمَّا ثلاث اللغات الباقية فنقلها النحويون، ولم يُنشدوا فيها شعرًا فيما علمت.
وقوله وقلَّ ورود كذا مفردًا أو مكررًا بلا واو كنّا قد ألّفنا كتابًا في أحكام كذا، سميناه بـ «كتاب الشذا في أحكام كذا» بسؤال قاضي القضاة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الحنفي، عرف بابن الحريري،