أولَ قدومه من الشام متوليًا قضاء الديار المصرية، وجمعنا في آخره الأحكام مجردةً، ثم اخترنا منها ما قام عليه الدليل من لسان العرب، وأناالآن أسرد تلك الأحكام، وأذكر ما اخترناه منها، حرفًا بحرف من ذلك الكتاب، فنقول:
أمَّا الكاف فأصلها التشبيه، و «ذا» أصلها أنها اسم إشارة للمفرد المذكر، فمتى أُبقيت كل واحدة منهما على موضوعها الأصلي فلا تركيب فيها، ولا تكون إذ ذاك كناية عن شيء، وإن أُخرجت عن موضوعها الأصلي فإنَّ العرب استعملتها كناية عن عدد وعن غير عدد، وفي كلتا الحالتين تكون مركبةً، ولذلك لا يثنَّى ذا، ولا يجمع، ولا يؤنَّث، ولا يُتبَع بتابع، لا نعت، ولا عطف، ولا تأكيد، ولا بدل، ولا تتعلق الكاف بشيء، ولا ًتدلُّ على تشبيه؛ لأنهما بالتركيب حدث لهما معنًى لم يكن قبله، ولا تلزم الصدر، ولا تكون مقصورة على إعراب خاصّ، بل تُستعمل في موضع رفع، وفي موضع نصب، وفي موضع جر بالإضافة وبالحرف.
ومن النحويين مَن حكم على موضع الكاف بالإعراب، وجعلها اسمًا
ومنهم مَن حكم عليها بالزيادة، ولزمت، وكل هذا فرار من دعوى التركيب فيها.
فإذا كانت كناية عن غير عدد، فتكون مفردةً ومعطوفة، تقول العرب:
مررتُ بدارِ كذا، ونزل المطرُ مكانَ كذا فمكانَ كذا، وقالت العرب: أمَا بمكانِ كذا وكذا وجْذٌ؟ فقال: بلي، وجاذًا. ولا يراد بالمتعاطفين أنَّ المكان يوصف بصفتين معطوفة إحداهما على الأخرى. وهو كناية عن معرفة، ومن وقوعه على النكرة قوله: