وفي «الإفصاح»: إذا حملوا تارةً على اللفظ وتارة على المعنى، وسبق الحمل على اللفظ ــ فلا خلاف في جواز هذا وحسنه وكثرته، فإذا كان الأمر بالعكس فلا يخلو أن يكونا في كلام مرتبط متصل غير منفصل، أو في منفصل، فإن كان في منفصل فقد منعه قوم لأنه عدول عن مراعاة اللفظ، فالرجوع إلى ما عُدل عنه نكث، والصحيح أنه جائز لأنه الأصل.
وقال بعضهم: أصل كم أن تكون استفهامًا، والخبر داخل على الاستفهام،
فالاستفهامية أصل للخبرية، والدليل على هذا أنها إذا كانت خبريةً تلزم الصدرَ، فلا يعمل فيها ما قبلها، فلولا أنَّ الاستفهامية أصل للخبرية ما امتنع أن يعمل في الخبرية ما قبلها؛ لأنها في معنى: كثير من كذا عندك. قال شيخنا أبو الحسن الأُبَّذيّ: «وهذا يمكن أن يكون بالحمل للشبه اللفظي والمعنوي، فلا تكون إحداهما أصلاً للأخرى» انتهى.
كلّ واحدة من «كم» و «رُبَّ» لا تُستعمل إلا في الماضي أو المستقبل المتحقق الوقوع، تقول: كم عالمٍ لقيتُه، ورُبَّ عالمٍ لقيتُه ولا تقول: كم عالمٍ سألقاه، ولا: رُبَّ عالمٍ سألقاه، وقال تعالى {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}،
و (يَوَدُّ) مستقبل متحقق الوقوع ثابت، كما أنَّ الماضي متحققُ وقوعه.
ومثلُه قول الشاعر:
فإنْ أَهْلكْ فَرُبَّ فَتَى سَيبَكي ... عليَّ، مُخَضَّبٍ، رَخْصِ البَنانِ
ولو وقعت كم هنا، فقيل: كم فَتى سيبكي ــ لساغ ذلك.
وتقول: كم تُرى الحروريةَ رجلاً، إذا أعلمت تُرى، وهذا الكلام معزوّ إلى الحَجّاج بن يوسف. وكم يحتمل أن تكون استفهامية كما ذكره أبو علي في