وقال بعضهم: سبب ذلك شبهها بـ «رُبَّ» في الوجوه التي سيأتي ذكرها عند الكلام على بنائها، فكما أنَّ رُبَّ تجرُّ المفرد والجمع أخرى، نحو قوله:
ورُبَّ ... أُمورٍ ... لا ... تَضيرُكَ ... ضَيرةً ... ولِلقَلبِ مِن مَخْشاتِهِنَّ وَجِيبُ فكذلك كم.
وإضافة كم إلى المفرد أكثر من خفضها للجمع لأنه أخفّ، وهو يفيد من المعنى ما يفيده الجمع، ولهذا السبب كان خفض رُبَّ للمفرد أكثر من خفضها للجمع. وإلى هذا ذهب ابن كيسان.
ويمكن أن يقال: إنَّ المنصف ما قصد بالتشبيه السبب في أن جَرَّت الجمع والمفرد، وإنما قصد أنها تجُرُّهما كما أنَّ عشرة تَجُرُّ الجمع، ومئة تّجُرُّ المفرد، إلا أنَّ في كلام المصنف ما يشعر بتساوي الوجهين الجمع والإفراد، أو ترجيح الجمع على الإفراد؛ إذ قدمه، فقال «كمُمَيِّز عشرة»، ونصوص النحويين على خلاف ذلك؛ إذ ذكروا أن الإفراد أكثر وأفصح من الجمع، بل زعم بعضهم أنَّ تمييزها بالجمع شاذ،
قال العكبري في «شرح الإيضاح»: «كم الخبرية تُمَيَّز /بالمفرد، وتُمَيَّز شاذا بالجمع. وإنما كان الإفراد أَولَى لأنَّ الخبرية تضاف إلى ما بعدها، والمضاف إليه كجزء من المضاف، فلم يَطُل الكلام به، وأمَّا العدد المنوّن والجاري مجراه فقد طال إمَّا بالتركيب أو بالنون، فلم يَطُل أيضًا بتمييزه بالجمع، فاقتصروا منه على واحد مَنكور تخفيفًا، وقد ذكرنا في باب التمييز أنه قد مُيَّزَ بالواحد ما يجوز تميزه بالجمع، كقوله تعالى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} انتهى.