وعلى أنه يجوز مطلقًا بني الفقهاء مذاهبهم في الأقارير, ولا يلزم من ترتيب الأحكام على الألفاظ أن تكون التراكيب عربية, بل الأحكام تلزم بمقتضى الألفاظ, سواء أكان التركيب على قانون كلام العرب أم لم يكن, فلو قال: أنت طالق إن تدخلي الدار, فدخلت - لزمه الطلاق وإن لم يكن هذا التعليق على قانون كلام العرب؛ لأن العرب لا تحذف جواب الشرط لدلالة ما تقدم عليه إلا إذا كان فعل الشرط ماضيًا, يقولون: أنت ظالم إن فعلت, ولا يقولون: أنت ظالم إن تفعل.
فإن قال قائل: ما المانع من أن تقول: جاءني إخوتك العشرة إلا تسعة منهم, وعندي عشرة إلا وحدًا, على أن يكون المخبر قد توهم أولًا أن العشرة جاءوه, وأن العشرة عنده, ثم تذكر بعد ذلك أن الذي جاءه إنما هو واحد من الأخوة, وأن الذي عنده إنما هو تسعة, فاستثنى من الأخوة الذي تحقق أنه لم يجئه, ومن العشرة الذي تحقق أنه ليس عنده.
فالجواب: أن العرب إنما تستعمل في هذا المعنى بل, فتقول: جاءني إخوتك العشرة بل واحد منهم, وعندي عشرة بل تسعة, ولا يحفظ من كلامهم استعمال إلا في هذا المعنى, فإن وجد من كلامهم استعمالها في هذا المعنى ساغ ذلك.
وقوله وكذا الحكم في نحو: له عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة, خلافًا لمن يخرج الأول والثاني قال المصنف في الشرح: "أشرت بذلك إلى قول السيرافي: (فإن كان بعض المستثنيات أكثر من الذي قبله, نحو: له على عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة, فالفراء يستثني الثلاثة, ويزيد على السبعة الباقية الأربعة, فيكون المقر به أحد عشر. وغير الفراء يستثنى من العشرة الأربعة إلا بعد استثناء الثلاثة, فيكون المقر به ثلاثة". قال المصنف: "وقول الفراء عندي هو الصحيح؛ لأنه جار على القاعدة السابقة, أعني جعل الاستثناء الأول إخراجًا والثاني إدخالًا". انتهى.